سعيد البدري
ليس سهلا بكل الاحوال ان تعود سوريا اليوم الى ما كانت عليه قبل اندلاع الازمة هناك, أي قبل خمسة عشر شهراً من الاضطرابات التي عاشها ابناء الشعب السوري وبعيدا عن لغة التجميل والمجاملات لهذا الطرف او ذاك فالجميع يدرك ان العودة الى سابق العهد بات هدفاً بعيد المنال ومع ذلك .. فان الانهيار لا يبدو وشيكاً بالنسبة للمراقبين، خصوصاً وان الأسد لم يستخدم حتى الآن كل ما يمتلك من اوراق القوة, فهو يراهن على عوامل عدة، اهمها استمرار الدعم الصيني والروسي مع تماسك قواته العسكرية ومنظومته الامنية الشرسة وسيطرته على اهم المفاصل في الدولة فضلا عن تشتت فصائل المعارضة في وقت يسعى الى عقد صفقات اقليمية مع رهان اخر على عامل الوقت وحدوث مستجدات في المنطقة قد تغيير الاوضاع لصالحه بشكل كامل خصوصا ان المعارضين ووراءهم قوى اقليمية ودولية تريد تكرار سيناريو ليبيا وايجاد موطئ قدم يمكنها من الانطلاق على غرار ما جرى في بنغازي, وهذا ما يفسر احداث حلب واصرار الجيش الحر على اقامة معركته هناك ليطلب تدخلا دوليا لحماية المدنيين وهذا ما لم يتحقق حتى الان . وبالعودة للدعم الذي يتلقاه بشار الاسد والمتأتي من اهمية ستراتيجية لسوريا وموقعها حيث انها تلعب دور التوازن في جيرتها مع الكيان الصهيوني كما انها العمق الستراتيجي الاقوى للمحور الروسي الصيني الايراني في المنطقة, لذلك فإن المعارك الدائرة اليوم لاتمثل حالة حرب حكومة ومعارضة بقدر ماهي حرب ارادات وصراع دولي يقوم به الطرفان بالنيابة عن القوى العظمى ضمن صراع المحاور الدولية، فروسيا اليوم ليست روسيا الاتحاد السوفياتي كما انها ليست روسيا بوريس يلسن الضعيفة المنهكة وبوصول بوتين الى كرسي الرئاسة وكسبه اصوات الناخبين الروس من بوابة العداء لامريكا والغرب ومع طموحاته المعروفة لن نرى تنازلا روسيا ولاحتى في اللحظات الاخيرة, وهو يرى ان سوريا بالاسد او بدونه فانها ستكون سوريا روسية وحتى مع فقدان بعض الاراضي فان المحافظات الثلاث العلوية المكون ستكون اقليما صديقا لروسيا مع وجود اسطول روسي ضخم في طرطوس على البحر الابيض المتوسط كل ذلك دفعهم الى توفير اعلى مستويات الدعم العسكري واللوجستي والدبلوماسي لسوريا الاسد حتى تكررت الفيتوات لمنع اية عقوبات عليها ينتهي بادخالها تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . ومع استمرار السيطرة المحكمة على الواقع الميداني في اغلب مناطق الجمهورية بما فيها دمشق العاصمة فان احتمالات انهيار الدولة تبقى ضعيفة مما يقلل من عمليات الانشقاق في صفوف الجيش وبعض معاوني الاسد من هنا فأن عامل الدعم الخارجي المقابل للجيش الحر والذي اعلن عنه بشكل رسمي من قبل امريكا وحلفائها في المنطقة (تركيا ودول الخليج) يبقى امرا مؤثرا وان استمر وتصاعدت وتيرته فأن الامور ستأخذ منحى اخر وهو لن يتحقق بشكل كامل قريبا لعدة عوامل, منها عدم وجود جبهة معارضة موحدة يمكن دعمها مباشرة وخشية امريكا من وصول بعض القوى المتشددة للسلطة على حساب قادة المعارضة الليبراليين في الخارج وحتما هذا سيعرقل عملية الانهيار. وفق هذه الرؤية فان الامر في سوريا سيبقى مفتوحا على كل الاحتمالات رغم ان البعض يراهن على تدخل دولي ينتهي بتشكيل حكومة مؤقتة وهذه العملية ستعقد الامور كليا خصوصا مع وجود اكثر من عشرين طائفة وقومية في هذا البلد المشتعل فضلا عن ذلك فأن الطرف المناهض لمعسكر السلطة في سوريا يبحث على المدى الطويل عن الحاق الهزيمة بأيران و حزب الله في لبنان كون الاسد كان احد الداعمين للمقاومة وقيادتها ومثلت اراضيه ملاذا امنا لعدد كبير من القادة الميدانيين الذين حاربوا الكيان الصهيوني مما يعني ان الخطوة القادمة ان تحقق الانهيار ستكون لبنان وحزب الله بالنسبة لهذه القوى والا فأن شعب سوريا وحريته لاتعني شيئا في لغة الحسابات الامريكية والعروبية لان سوريا بلد يفتقر للكثير من المقومات الاقتصادية الاجتماعية ولن يكون مستقبلا لاعبا كبيرا في المنطقة كما هو اليوم من وجهة نظرهذا الفريق على الاقل ...
https://telegram.me/buratha