بقلم الباحث احمد الشجيري
وهو أمر واضح أن التعارض بين الحضارة والثقافة لايحصل إلا في المجتمعات (المتطورة). مثلا يدخل روبرت مكلفر تعارضا بين مؤسسات ذات طبيعة أدواتية كالمصرف والمصنع، وأنشطة الكنيسة والمسرح ونادي النقاش والتي يصفها جميعا كمركز لما أسماه بـ(الإستهلاك النهائي)). فالأولي تدخل في نطاق النظام التكنولوجي، والثانية في نطاق الثقافة، إلا أنه يسوق حججا غامضة لدعم فرضية التفريق بين الحاجات ذات الطابع (الحضاري) والأخري ذات الطابع (الثقافي) مما يكون أمرا في غاية البعد عن مقولات أوزفالد شبنغلر المعروفة عن الثقافة التي قال عنها إنها حين تشيخ تصبححضارة. وما يهمنا هنا هو التفرقة الشبنغلرية المطبّقة علي الثقافات. فهذا المفكر الألماني وجد معايير التفرقة في المثل الحياتية ومعاملة الفرد ومواقفه ومساعيه والأنظمة الأخلاقية والآراء العلمية والفلسفة.كما وجد أن لكل ثقافة معاييرها التقييمية ومثلها الأخلاقية النسبية، أي في نطاق سريانها، وحتي أنه وجد العلوم الطبيعية والرياضية لاتملك قيما شمولية أي أن ما يقرر التمايز الثقافي هو القيم الروحية التي أسماها بروح الثقافة التي تصلح أساسا للتفرقة. وفي تحليله للتحولات التأريخية ينتبه شيبنغلر قبل كل شيء الي تحليل التعارض بين ما اسماه طور النمو أي الثقافة وطور التدهور أي الحضارة. إنهما طوران متعاقبان، والحضارة هي (المصير المحتوم لكل ثقافة). وطور الثقافة يتميز بالنشاط الحر للنخبة المبدعة والخالقة لنماذج السلوك والطارحة لبراهين تدعممجاميع معينة من القيم.وهذه النخبة تصوغ العلاقات السياسية والإقتصادية وفقا للقيم الروحية المطروحة، ويضرب مثلا علي ذلك بفترة الإقطاع المبكرة في أوربا حين قام النبلاء والكهنوت بوظيفة النخبة المبدعة التي إمتلكت أوربا نتيجة لها نموذجها الثقافي.
https://telegram.me/buratha