التحليل السياسي/ غانم عريبي
من يظن أن الساحة السورية لم تكن تغلي طائفيا منذ استقرار الحركة التصحيحية بقيادة حافظ الأسد 1970 -2000، وما قبلها فهو يجانب الحقيقة، ولا يريد أن يراها ويتعامى عن استحضار حقائق الصراع التي كانت حصيلتها قتلى في شوارع حماه وحلب ودمشق طالت العلويين والسنة عام 1982ما يعني أن الجيش الحر وبقية التيارات السلفية لم تقاتل بشار الأسد الآن، ولن تقاتله على إمرة او تعديل للدستور أو القيام بإصلاحات على هامش ما يسمى الربيع العربي إنما تقاتله على أساس كونه علويا وهم يقاتلونه ويسعون إلى تسلم السلطة والهيمنة عليها لأنهم سلفيون وهابيون سفيانيون في اخطر محاولة سياسية في تاريخ الإسلام لاستحضار خلافة معاوية على الشام وتقديم فروض الطاعة الفكرية والسياسية له ولإتباعه!.
كيف جرى الأمر وكيف أمكن لهذا الجذر الطائفي أن يتأصل برغم جهود كبيرة بذلها الرئيس حافظ الأسد على امتداد عمر التجربة السورية ؟!.هل المسألة لها علاقة بالعلويين الذين كان منهم حافظ الأسد ام ان المسألة جرت في الساحة السورية على أساس معادلة طرفيها أكثرية سنية تستهويها رغبة عارمة وخطيرة في استعادة السلطة وإعادة الاندماج بمحيط الأكثرية السياسية السنية في العالم العربي.. مع ان الرئيس حافظ الأسد وعلى حد اعتراف غالبية السنة في سوريا لم يشتغل في الدولة ولم يدر الحكومات السورية المتعاقبة ولم يتصرف في السلطة بناء على توجهات طائفية ومؤشرات قبلية وعشائرية كأن يسلط فئة من العائلة او مجموعة من غنامة العوجة او منطقة الدور من رعيان الإبل النازحين إلى بغداد المستوطنين في أعالي العاصمة سفراء ودبلوماسيين ومحافظين وتجارا كبارا بيدهم الأمر والحل والربط إذ يشهد التاريخ السوري الحديث أن الأسد أبقى العاصمة الاقتصادية حلب ومنافذها المالية ومفاتيحها التجارية بيد تجار حلب السنة ولم يعرف في سوريا تاجر علوي إلا في السنوات الأخيرة من ولاية بشار الأسد حيث أصبح اسم رامي مخلوف يحتل واجهات البورصات العربية في دبي وسوق البورصة العالمية!.
ما فعله حافظ الأسد في الساحة السورية لم يفعله حاكم عربي في ساحته وفي الوقت الذي سقطت اغلب التجارب السياسية العربية وحكامها بسبب عنصر الطائفية أو القبلية الغالب صمدت سوريا بنموذجها الإنساني والفكري المنفتح على كل التنوعات والمشارب الفكرية والسياسية في العالم العربي ولم نكن نشعر ونحن عشنا جانبا واسعا ولسنوات طويلة من الحياة السورية أن هنالك جلبابا للطائفية يرتديه الأسد أو أبناؤه او الساحل السوري وحتى السنة السوريون كانوا يضربون المثل الأعلى في التوحد الوطني الطارد للطائفية.. وما جرى قبل سنة مشروع طائفي وافد من السعودية التي تستهويها فكرة استعادة عرش الشام انتقاما من الأسد الذي قوض عرشها في الساحة اللبنانية لصالح فكرة المقاومة الوطنية لإسرائيل!. ان بعض ميسوري الحال من تجار حلب ولأنهم مرضى استثمار ومليارات، وقد انعم عليهم الأسد ان منحهم الأولوية في الاستيراد والحركة الاقتصادية بقوا مسكونين بهاجس طائفي لا علاقة له بالهاجس التجاري الخاص او الوطني العام لكونهم سوريين ينتمون إلى دمشق الحاضرة الانسانية ومهد أول حرف قبل عشرة آلاف سنة بل لكونهم رجالا للسعودية او لمعاوية بن أبي سفيان دون أن يذكروا حسنة واحدة للأسد العلوي !.
قيادي من التيار الإسلامي العراقي تسنت له الفرصة بلقاء مجموعة من تجار حلب عام 1991 بعد غزو العراق للكويت ومشاركة القوات السورية إلى جانب القوات العربية دفاعا عن السعودية وتأمين جبهة الكويت بعد التحرير.. في إطار جلسة إخوانية للحديث عن شتى قضايا العالم العربي والإسلامي واستثمار الفرصة للحديث عن القضية العراقية وصدام حسين والدكتاتورية والتسلط والإعدامات الخطيرة التي تعرضت لها الحركات الإسلامية العراقية عام 1980 في العراق والهجمة الشرسة التي توجت بإعدام المفكر الإسلامي الكبير محمد باقر الصدر وقضايا أخرى تهم الساحة السورية..
قال لي مستذكرا تلك الحكاية: "تحدثت إليهم عن حافظ الأسد الوطني الذي أزاح سوريا عن زلزال الانقلابات العسكرية وكيف اخذ بيدها إلى الاستقرار والانتعاش الاقتصادي والأمني والاستثماري ودفعها لان تحتل موقعا ممتازا في خارطة السياسة العربية والإقليمية والدولية حتى قلت لهم ان هذا الرجل "العلوي" في رؤيتكم ليست لديه أجندة طائفية وقد قدم إلى السلطة وطين الأرض وشوكها لازال عالقا في قدميه بالرغم من تفوقه في سلاح الطيران وقتاله في نكسة الـ1967 بقصف المعسكرات الإسرائيلية في تل أبيب وكان صاحب قرار تحرير الاراضي العربية في حرب تشرين عام 1973!.
ثم قلت لهم - والكلام للقيادي الإسلامي العراقي - ان حافظ الأسد منحكم الأولوية في العلاقات التجارية لم يمنحها لأحد من أبناء الطائفة العلوية الذين يتمنون ان يكونوا مثلكم وقاتل في الكويت دفاعا عن بلد عربي ووظف كل امكانات الجيش العربي السوري وسوريا من اجل القضية الفلسطينية وربط تحرير الأرض العربية السورية في الجولان بقرار انسحاب إسرائيل من الاراضي العربية الفلسطينية حتى ان الاسد استورد - ولشدة تفكيره بالكادح السوري وحمالي سوق الحميدية - سيارات نقل خاصة تستطيع اختراق الأزقة الضيقة في المناطق المحيطة بالسوق لإيصال البضائع لكي يوفر على الحمالين مؤونة وتعب "الحمالة" يعرفها السوريون والعائدون العراقيون من سوريا تسمى "الطرطيره" ولم يبخل الأسد بشيء على سوريا حتى نقلها من موقع متهالك في الخارطة إلى موقع مميز ودفع برؤساء العالم بما في ذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق بيل كلنتون لزيارة دمشق أكثر من مرة اعترافا بالدور السياسي الخطير الذي يؤديه الأسد في سوريا لصالح القضايا العربية وهو مالم يؤده رئيس عربي في التاريخ!.
قلت: أن الرئيس "السني" العربي قدم فلسطين على طبق من ذهب إلى إسرائيل وعقد اتفاقات كمب ديفيد وروج للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومد أنابيب الغاز لإنعاش الأسرة اليهودية وترك أبناء جلدته يتقلبون على قسوة البرد في المدن المصرية واعتقل الأحرار السنة وألقاهم في المطامير!.أردفت قائلا أيضا.. ألا يكفي الأسد أن يكون رئيسا لسوريا وزعيما عربيا يمتلك روحا قومية لا تتنازل عن فلسطين وقرار سياسي لا يهادن وكفاءة غير عادية في حماية سوريا من الزلال وذلك كفيل بالتفافكم حوله وان تضعوا "علويته" مثلما تضعوا "سلفيتكم وسفيانيتكم" خلف ظهوركم؟!. يقول الصديق.. أجابني احدهم قائلا، لا تتعب نفسك.. نريد معاوية بن أبي سفيان ولا نريد معاوية بن أبي طالب!.
https://telegram.me/buratha