هناك تغير خطير في مفهوم العيد ، وثقافة العيد ، فالعيد هو بهجة روحية خاصة يشعر بها الصائم بعد اداء واجبه الشرعي ، لكن حاليا ساحة العيد يحتلها الناس الذين لم يصوموا ! الاثرياء واصحاب الاموال المشبوهة يغزون الاسواق بضراوة استعدادا للعيد وهم مفطرون ، هناك تقاليد سيئة اعتاد عليها الناس ليؤذوا انفسهم ، اخطرها شراء ملابس جديدة في العيد ، وهم يعرفون بلدهم غير مشمول بالاعياد ، في كل يوم لدينا رتل من التوابيت يأخذ طريقه الى المقابر الكبرى وسط عويل نساء يبكين بلا دموع ، الصوم وحرارة العراق وعطشه الوحشي تجد ان ضحايا الانفجارات لا تنزف جراحهم لشدة العطش وهم صائمون ، والذين يبكون عليهم لا تذرف عيونهم دموعا لشدة العطش وهم صائمون ، الشهيد صائم والباكي عليه صائم ، غياب ملحوظ للدماء والدموع مع انهما العمود الفقري لأي كارثة ! كيف يمكن تمرير العيد ؟ شعار العراقيين منذ قرن : (الصوم للفقراء والعيد للاغنياء) هذا الشعب يعد من الشعوب المشهورة بالفقر والحرمان ، لكن التطور الجديد حاليا هو نمو الطبقية الاقتصادية كحصيلة لتحالف تقليدي بين الساسة والتجار والعسكر ، قرون وسطى خاصة بنا تشرعنها الديمقراطية ، حالات ترف نخبوي لا مثيل لها ، تقليد للنموذج الهندي في القرن التاسع عشر ، فهناك اثريا (مهراجات) يلبسون احذية مرصعة بالمجوهرات الثمينة الى جانب الملايين المعدمين الذين ينامون في الحدائق ويعيشون على التسول ، تصاعدت نسب البطالة العامة والبطالة النوعية ، عامل بناء يحمل شهادة ماجستير يعمل في بناء منزل مدير عام ، المدير العام خريج متوسطة ! … فشلت الأمة في التخلص من تقاليد شراء ملابس العيد لكنها استطاعت تحويرها ، ونجحت عملية التحوير ، كيف ؟ شاهدوا حشود الشعب تتدفق على محلات الملابس المستعملة ، العراقيون لهم تأريخ مشرف في شراء الملابس المستعملة ، هي جزء من الفلكلور الشعبي ، يسمونها (اللنكات) ثم اصبحوا الآن يسمونها (البالات) ، وهذا العام يسجل حضورا استثنائيا في اسواقها الرائجة ، فهي رخيصة الثمن ، ثم انها من ماركات عالمية معروفة بالمتانة ، وهي افضل بكثير من الملابس الجديدة التي يستوردها تجار يفكرون بالربح فقط بلا اشراف حكومي ولا متابعة للمواصفات النوعية ، كل شيء في هذا البلد مستعمل ، شعب مستعمل ودولة مستعملة ، وشخصيات مستعملة ، وهنا لا بد من الاشارة الى ان القصيدة الشهيرة التي مطلعها (خرجت يوم العيد / بالملبس الجديد) تنطوي على كذبة كبيرة ، فالملبس ليس جديدا بل مستعمل ، قصيدة مستعملة ، وربما كانت قصيدة المتنبي ردا استفزازيا عليها وهو يقول : (عيد بأية حال عدت ياعيد / بما مضى ام لشيء فيك تجديد / أما الاحبة فالبيداء دونهم / فليت دونك بيد دونها بيد) المتنبي عراقي كوفي يشكو الاقصاء والتهميش ، وكانت تهمته انه شاعر مستعمل .
19/5/817
https://telegram.me/buratha