حين وصف السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري (قمة مكة) ب(قمة المنافقين) لم يجانبه الصواب بل كان محقا وموفقا في توصيفه الذي اختزل فيه بعبارة صغيرة ضجة مفتعله رافقت هذه (القمة) فكان المعلم وبحكمة الدبلوماسي الخبير والسياسي المخضرم أفضل من عرف ووصف قمة ( مكة) .. لكن بالمقابل دعونا نقف على خلفيات ودوافع (القمة) والغاية الأساسية التي كانت وراء دعوة نظام ( آل سعود ) للقمة وأن تعقد في ( مكة المكرمة) ..
فالدعوة لها دوافع ذاتية وموضوعية لدى نظام ( آل سعود) الذي إلى جانب كونه الشريك الممول للمؤامرة التي تستهدف الجمهورية العربية السورية الدور والقدرات والإمكانيات والمكانة والفعل , فهوا أي نظام ( آل سعود) يواجه تبعات داخلية تراكمية كما يواجه تحديات متصلة بحاضر هذا النظام ومستقبله الذي يوشك على الافول وتوشك صفحة ( آل سعود) أن تنطوي خلف ذاكرة الناس والتاريخ , فنظام ( آل سعود) يواجه حراكا داخليا غير معهود وبالتالي لم يعود ممكنا لهذا النظام , التغطية على الحركات الاحتجاجية التي عمت مختلف مدن وقرى أراضي نجد والحجاز ومن أقصي قرية في المنطقة الشرقية إلى أخر قرية في الغربية ومن مدن الشمال إلى أزقة وحواري مدن الجنوب هناك حركات رفض شعبية ناشطة وتعمل بوتيرة عالية مطالبة بالإصلاحات الجذرية بدءا من تغير أسم الدولة التي صادرة إرادة شعب واختزلت اسمها لأسرة بذاتها وهو ما لم يرى أو يشهد التاريخ فعل مثيلا له , إلى ثيوقراطية السلطة والتسلط والحكم عبر مجاميع ( دينية) لم نرى مثل تخلفها حتى في أكثر عصور تاريخنا العربي الإسلامي انحطاطا ,إذ يري آل سعود في الدين مجرد وسيلة من وسائل القهر والحكم الطغياني ..
بيد أن (قمة مكة) هدف منها نظام ( آل سعود ) تحقيق أكثر من هدف الأول هو بمثابة رسالة للداخل ولجمهور وشعب نجد والحجاز ولدعاة التغير والإصلاح مفاده أننا لا نزل أصحاب الفعل وأن كل ما تقوموا به لن يجدي نفعا وبطريقة أوضح يقول لمواطنيه تأملوا لا نزال قادرين على (شراء العالم ) ونحظى بدعمه وتأييده وبالتالي لن تجدوا من يسمعكم أو يكترث بما تقوموا به ..!!
الأمر الأخر يدرك نظام ( آل سعود) أن فشل مؤامرتهم وشركائهم على سورية فعل سيكلفهم الكثير وبالتالي وبعد فشل سيناريوهات ( تعريب المؤامرة ) على دمشق الصامدة والمقاومة كان أن عملوا على ( تدويلها ) من خلال نقلها لمجلس الأمن وحين اصطدموا بالفيتو الروسي _ الصيني لثلاث مرات متتالية حاولوا اللجوء للجمعية العامة من باب التوظيف لمواقفها ومن ثم استغلالها داخل مجلس الأمن بصورة اتضحت مؤخرا في رفض المجلس التمديد لمهمة المراقبين , وبما أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة , كان لا بد من استغلال حالة (الفراغ) الذي وقع فيه رموز المؤامرة على سورية فكانت ( قمة مكة) التي إلى جانب ما طمح من خلالها آل سعود فأنها جاءت بهدف ( اسلمة المؤامرة) ومن ثم تكوين رأي عام شعبي بجوانبه السياسية والدينية لمزيدا من الضغط على دمشق لكن كل هذه المحاولات جاءت متأخرة فالصمود العربي السوري في مواجهة حرب مفتوحة استخدمت خلالها كل الوسائل القذرة والدنيئة والكيدية , حرب رغم متابعتنا لكل ما نرى ونشهد من فصولها ومحطاتها ووسائلها وأدواتها , يظل الجانب المخفي منها أشد بشاعة وأكثر دناءة وانحطاط وغير مسبوق فعلا في كل الحروب التي عرفها التاريخ بما فيها الحروب الأكثر قذارة وهمجية , ومع ذلك كان الصمود العربي السوري اسطوريا بامتياز واقوى من كل السيناريوهات التأمرية التي نراها تتوالى تباعا وكأننا في سباق رالي مفتوح تغير فيها السيناريوهات كما تغير وتستبدل إطارات العربات لسيارات الرالي ..؟!
لكن إذا ما سلمنا جدلا بما ورد في البيان الختامي للقمة _مثلا_ سنجد أن ما شمله البيان يتطلب من الذين عملوا على صياغته أن يكونوا مستوعبين ومدركين لما جاءا فيه وأن يكونوا في نطاقاتهم الاجتماعية يعملون به أي يعملوا بما يطالبوا به من الاخرين ..؟
فمناصرة الشعوب المقموعة من انظمتها يستدعي من نظام آل سعود والمشيخات الخليجية وتركيا وهم الأطراف الفاعلة في المؤامرة وفرقة التنفيذ والإشراف مع ايماننا بأن السيناريو (صهيوني) والمخرج ( أمريكي) وعليه فالأجدى بنظام آل سعود أن يتفهم لمطالب شعبه الذي يثور ويعيش في حالة حراك في أرجاء الجزيرة العربية التي اختزلت باسم (اسرة حاكمة) .. الأمر ينطبق على بقية المشيخات الخليجية فالشعب البحريني المطالب بالحرية والعدالة والإصلاح واجه قمع وغطرسة وجبروت النظام الحاكم قبل أن يعمل نظام آل سعود على غزو البحرين المجاورة بعدته وعتاده ليقمع حرية شعب مظلوم ينشد الحرية , تركيا ليست بعيدة عن هذه الازدواجية فهناك 22 مليون كردي محرومين من ابسط الحقوق الإنسانية وهو حق التحدث بلغته والتفاخر بثقافته وهويته الحضارية ..!!
إذا كيف يمكن تسويق مواقف هذه الأطراف التي حشد لقمة ( مكة) لتوزع من خلالها أكثر من رسالة للداخل والخارج ولتصدح رموزه ( مؤتمر مكة) بما لا يؤمنون بهم وهذا يذكرنا بحكاية مسلسل أردني عرض قبل سنوات اتذكر عنوانه ( إلا زوجتي) فيه بطل المسلسل ينادي بحرية المرأة ومشاركتها في تنمية المجتمع لكنه يحرم هذا الحق على ( زوجته) التي يغلق عليها بالباب بالضبة والمفتاح وسدد عليها النوافذ واحرمها من رؤية الشمس فيما نجده من مؤتمر لمؤتمر يطالب بحرية المرأة .. وهكذا هم حكام المشيخات الخليجية والأتراك الحالمين بعودة زمن ( العثملي) ..!!
8/5/820
https://telegram.me/buratha