نتناول في هذه السلسة سيرة كتاب أختاروا أن يكونوا كلابا تنبح مقابل عظام يرميها أسيادهم، ولم نكن نرغب في ولوج هذا المسار لولا أنهم طرقوا بابنا..ومن طرق بابا سيسمع الجواب....واللافت في الأمر أننا لم نكلف أنفسنا عناء كتابة ردود على هؤلاء النباحين، فسيرتهم مبثوثة في كل مكان لأنهم نباحين ليس إلا، ولأن نباحهم يدل عليهم..والبعرة تدل على البعير..ومعذرة من الأخوة الذين كتابوا عنهم فقد "إستللنا " ما كتبوا، وحسبنا أنه منشور في أمكنة عديدة....
حسن العلوي .. سيرة سرسري - أحمد السماوي
في عام 1983 وقف حسن العلوي في بيت الحاج رضا الأسدي (والد نجاح الأسدي) وأمام جمع من علماء الدين ووجوه المعارضة العراقية وقال:
أنا السيد حسن بن السيد عليوي العلوي .. أنا كنت من سرسرية صدام حسين .. فهل لي عندكم من توبة؟ فرد عليه الشيخ محمد باقر الناصري قائلاً: إذا كانت توبتك مخلصة فقد قبلناها.
ويجب أن أوضح هنا، بأنني لم أقصد بعنوان المقالة أن أشتم الرجل .. وإنما هو الذي وصف نفسه بذلك الوصف، في لحظة اعتبرها كثيرون، بأنها لحظة صفاء مع النفس، ثم ظهر أنها ليست سوى لقطة انتهازية عابرة، أراد بها حسن العلوي أن يخترق المعارضة ويتصدر صفوفها.
ولنبدأ قصة الرجل منذ بدايته .. وقبل أن نبدأ لابد من الإشارة إلى أن لحسن العلوي حاسة (انتهازية) فظيعة، استطاع أن يتعرّف من خلالها، مرات عديدة، على الجهة التي يستطيع أن يستفيد منها والتي بالتالي يجب أن يقف إلى جانبها.
فرغم ما زرع فقر عائلة حسن العلوي المدقع – فوالده عامل يقيم وعائلته في أكواخ الكرخ الطينية – عندها من عداوة وحسد شديدين، لعائلة ابن خاله عدنان الحمداني الغنية الموسرة، فقد تزوج من أخت الأخير. واتخذ من علاقته به، طريقاً للوصول إلى صدام حسين والتقرب منه. فالمعروف أن عدنان حسين – وحتى إعدامه عام 1979 – كان أقرب البعثيين لصدام حسين وأكثرهم تأثيراً عليه. وهكذا انتقل حسن العلوي – بجهود ابن خاله عدنان – من منصب إلى منصب حتى أصبح رئيساً لتحرير مجلة ألف باء.
ولابد هنا من الإشارة إلى أن حسن العلوي، كان قد سمى ابنه البِكر (عمراً)، وصار يُكنّى بأبي عمر. وليس لهذه الملاحظة من معنى، لولا أن حسن العلوي نفسه، وفي كتابه الشيعة والدولة القومية، ذكر بأن الموظفين الشيعة الكبار في الدولة العراقية يسمون أولادهم بأسماء سنّية ليغطوا على شيعيتهم، وليتقربوا من مراكز القرار، وقد ضرب حسن العلوي مثلاً بحسين الصافي وزير العدل آنذاك والذي سمى ابنه عمر (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه).
وعندما وقعت انتفاضة النجف عام 1977 سارع حسن العلوي، وفي مجلته ألف باء، بتقديم بعض نشطاء الانتفاضة، وفي مقدمتهم عباس هادي عجينة، ووصفهم بأنهم لوطيون .. الخ. (ألف باء، العدد 440، 23 شباط 1977).
المفارقة أن حسن العلوي وبعد انضمامه للمعارضة، وفي كتابه العراق دولة المنظمة السرية (ص 29)، اعتبر ربط صدام حسين لاغتيال اللواء عبد الكريم مصطفى نصرت زعيم حزب البعث اليساري بعلاقة شاذة بأنها (تخلو من الشهامة) !.
إن حسن العلوي يصوّر للقراء والمشاهدين علاقته بصدام حسين، علاقة صديق بصديقه، ورفيق برفيقه، وأحياناً يريد أن يومئ لنا بأن علاقته بصدام هي كعلاقة هيكل بعبد الناصر. ولا أعتقد أن الأمر ينطلي على أي عراقي، فصدام حوّل جميع من حوله إلى خدم ومرافقين وتابعين، بحيث أن كل أعضاء (مجلس قيادة الثورة) كانوا يخاطبونه بكلمة (سيدي)، وعندما يسلمون عليه في المناسبات، كانوا لا يجرؤون على تقبيله وإنما يقومون بتقبيل أكتافه. بل وجعل من الرجل الذي كسبه (أي صدام) إلى الحزب، أواخر عام 1958، وهو غانم عبد الجليل، مديراً لمكتبه، وكأنه أراد بذلك تحقيره واستصغاره. (على حافة الهاوية، ص 104 – 105).
ومن جهة أخرى فإن حسن العلوي، غير معروف بالشجاعة، ولا بقوة الشخصية، ولا بالشهامة، حتى يقنعنا بأنه كان لا يرضى بأن يعامله صدام إلا بندية واحترام.
إن حسن العلوي أًصبح أحد أتباع صدام المقربين إليه، بما كان يدبجه له من مقالات التمجيد والمديح، التي وصلت حد السماجة. كما في مقاله الشهير عن البلاغة الجديدة، التي تتمثل في خطب صدام، والتي دونها بلاغة الجاحظ، وبالتالي فإن على المثقفين العرب، ألا يبحثوا عن قواعد البلاغة عند الجرجاني وغيره، وإنما عليهم أن يتعلموها من خطب صدام حسين.
وأذكر أن أحد علماء الدين الكبار علّق وهو يقرأ مقالة العلوي هذه بأنه لو كان محل صدام لأمر بإحضار هذا الكاتب – ولم نكن يومئذ نعرف من هذا العلوي، وكانت الشائعات تقول أنه مدرس لغة عربية من مدينة الفلوجة – والقول له إنك تضحك عليّ بمقالك هذا، فأنا لا أتكلم ولا أخطب إلا بالعامية، فعن أي بلاغة تتحدث !!
وعندما قبض صدام على عدنان حسين – عام 1979 – كان حسن العلوي في لندن، فأرسل من هناك، وفي موقف يدل على نذالة الرجل وخسّته، برقيته المشهورة التي قال فيها: (انتصاركم على المؤامرة الخيانية الغادرة للأمة العربية وقضاياها ومستقبلها المشرق .. الخ). (ألف باء، العدد 567، 8 آب 1976).
ولكن صدام المعروف بحماقته وعشائريته، لم يصدّق حسن العلوي، وهو يشتم ابن خاله عدنان حسين، بل طبّق عليه قانون معاقبة ذوي المتهم حتى الدرجة الرابعة، وألقاه في السجن. ويعلّق حسن العلوي على ذلك قائلاً: (إنه لا يصدق أن شخصاً مثلي كان يحبه). (العراق دولة المنظمة السرية، ص 74)
وفي السجن تبرّع حسن العلوي، بتأليف كتاب أسماه (دماء على نهر الكرخة)، شتم فيه التشيّع والشيعة وإيران. فقرر فاضل براك مدير الأمن العام آنذاك، أن يرسل حسن العلوي ليصدر صحيفة في الخارج، وزوده بمليون دولار. ولكن حسن العلوي أخذ المليون وهرب إلى أسبانيا، حيث اختفى هناك. ولكنه فوجئ بتلفون شقته يرن، وإذا بفاضل براك يعاتبه بود ورقة. فأدرك حسن العلوي أن الأمن العراقي قد استدل عليه، فهرب إلى سوريا.
هناك ثلاث نقاط في سيرة حسن العلوي:
الأولى: إن حسن العلوي اخترق المعارضة العراقية من خلال التنظير للطائفية الشيعية، وهو صاحب الشعار الشهير: (السنة أخذوا الوطن وأعطونا الوطنية، آن الأوان أن نأخذ الوطن ونعطيهم الوطنية). إن هذا الشعار يعني بأن السنّة تعاونوا – عام 1920 – مع بريطانيا وأخذوا العراق، واليوم آن الأوان أن يتعاون الشيعة مع أمريكا ليأخذوا العراق من السنّة.
ثانياً: إن حسن العلوي انقلب على مشروعه الطائفي الشيعي، لأن رفاقه في المشروع تنكروا له وتناسوه. وقد تحدّث عن ذلك بمرارة، في مقابلات تلفزيونية عدّة عام 2003 و2004، خاصة فيما يتعلق بعدم تعيينه في مجلس الحكم .. الخ.
وهكذا قرر أن يبيع انقلابه على الشيعة. فهو ليس لديه موقف وإنما لديه ثمن. فهو صاحب المقولة المشهورة: (هناك ثلاثة استفادوا من أزمة الكويت، إسرائيل التي حصلت على عشرة مليارات دولار. ومصر التي تم إعفائها من ديونها. وحسن العلوي الذي أصبح مورده اليومي من فوائد البنوك ألف دولار).
الجدير بالذكر أنه عندما ألف كتابه (الشيعة والدولية القومية)، أخذ ثمن الكتاب من ثمانية أشخاص، لا يعرف أحدهما الآخر، ثم باع الكتاب لإحدى دور النشر.
ثالثاً: إن حسن العلوي وهو يدافع – اليوم – عن صدام، إنما يدافع عن نفسه. فحسن العلوي حصل على ما حصل من مكانة وأموال، لا لأنه يملك قلماً رائعاً – ولا يشك أحد في هذا – ولكنه حصل عليها لأن استطاع أن يسوّق نفسه كأقرب الناس لصدام، فاحتاجته المخابرات الأمريكية والسعودية والكويتية – في أزمة الكويت – ليمدها بمعلوماته عن صدام. واحتاجته المعارضة العراقية لتفضح به صدام ودمويته وطائفيته. واحتاجته بعض الجهات – التي لا أود أن أسميها – مخبراً صغيراً يمدها بالمعلومات عمّا يقوله هذا أو ذاك في الغرف المغلقة.
أما الآن وقد انتهت اللعبة، لعبة توظيف علاقته بصدام، وبعد أن تنكر له رفاقه القدامى، لم يبق له إلا أن يدافع عن صدام، ليقول لنا إنني لم أكن خادماً لعميل أو طائفي.
بقي أن أقول أن دفاعه هذا عن صدام هو وحده الذي دفعني لكتابة هذه المقالة، وإلا فإني أعرف عن الرجل أشياء معيبة أخرى لا أريد أتحدث عنها
14/5/820
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha