بقلم : محمد ابو النواعير
يستعمل الأفراد والمنظمات والأحزاب العاملين في الحقل السياسي أدوات متعددة تمكنهم من بلوغ أهدافهم المرسومة , سواء أكانت هذه الأهداف أهداف تتوخى الفائدة من السياسة , أم كانت أهداف تعمل لأجل غايات سامية من خلال السياسة . وغالبا ما تكون الغلبة لنوع من هذه الأنواع تبعا لأنماط المجتمعات والمؤسسات أو الثقافات أو الجماعات المتصارعة . وعلى الرغم من تنوع هذه الأدوات وتطورها وتغير أشكالها خلال تأريخ العمل السياسي , إلا أن هناك عدد من الأدوات التي تعتبر الركيزة الرئيسية التي يتكرر وجودها في كل عمل سياسي , وإن تطورت وتقدمت وتغير مظهرها في زمن ما أو تأخرت لإعتبارت القدم . ويمكن حصر هذه الأدوات بما يلي :1.العنف المادي , أو السيطرة على الفعالية السياسية من خلال السلاح والتسليح .2.توظيف المال السياسي .3.توظيف قوة تأثير وسائل الإعلام .4.قوة العدد الجماهيرية .وتختلف الدول والتنظيمات والجماعات السياسية في استغلال وتوظيف هذه الأدوات بطريقة سلبية أو إيجابية . فمناطق الشرق الأوسط عموما عرفت بإستغلالها المفرط للسيطرة على العمل السياسي من خلال إستخدام السلاح , فكثرت في هذه المناطق الإنقلابات العسكرية , وكثرت إراقة الدماء . أما توظيف المال السياسي بشكل سلبي وغير مشروع , فهو ما عرفت به المجتمعات السياسية الرأسمالية الغربية المعاصرة , وخاصة ما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية . وكذلك ما كانت تتبعه الطبقات الأرستقراطية والبرجوازية المالكة للأراضي والمصانع في مراحل التأريخ السياسي الأوربي السابق . وترتبط وسائل الإعلام وطرق دعمها وتوظيفها في العمل السياسي بدرجة كبيرة بالنقطة السابقة , وهي استغلال المال السياسي , فتزداد كفاءة العمل السياسي الاعلامي والدعاية السياسية وعملية غسل العقول الشعبية بشكل طردي مع إزدياد عمليات الدعم المالي المقدم من أطراف ترغب في السيطرة على مجريات العمل السياسي أو السيطرة على شخوصه . أما قوة العدد الجماهيرية فهي إحدى الأدوات التي تم إشراكها في العمل السياسي حديثا . ففيما مضى في فترات التأريخ السابقة , كانت الطبقات الجماهيرية الشعبية , والتي كانت تمثل القوة العددية , في الغالب مسحوقة ومخنق على أصواتها , فلم تكن تذكر في التأريخ إلا في لحظات استثنائية نادرة جدا , حيث كانت الجماهير الشعبية , من فرط ما تقاسيه من عبودية وفقر وبؤس وإضطهاد , تظهر في معركة السياسة فجأة , كحيوانات كبيرة خرقاء تحطم في طريقها كل شيء , ولكنها تعجز عن إعادة البناء . كثورات العبيد والفلاحين والمدنيين المضطهدين , والذين كانوا غالبا ما يتعرضون لإبادة جماعية مفرطة .ولم تغب الساحة السياسية العراقية عن هذه التقسيمات خلال فترات التاريخ المختلفة . ولكن الأحداث السياسية البارزة , وتوظيف النقاط السابقة فيها ظهر جليا في الفترة التي أعقبت سقوط حكم البعث في العراق , خاصة مع ظهور حالة التشظي الانشطاري في عدد الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية , فما نجد في أي عمل سياسي يمر على البلد إلا وفيه توظيف وإستغلال لأحدى الأدوات السابقة , وهو توظيف غالبا ما يكون سلبيا منافيا للأخلاق الانسانية أو الشرائع السماوية .ويعتقد الكاتب أن فشل أكثر هذه الحركات والأحزاب السياسية التي خاضت غمار الممارسة السياسية بعد عام 2003 إنما يعود الى التوظيف السيء لكل أو لغحدى الأدوات المذكورة أعلاه .تجمع الأمل الذي أسسه سماحة السيد عمار الحكيم ( أعزه الله ) , قد تأسس في فترة إحباط شعبي عام , وإنعدام اثقة من جانب المواطن بالعمل السياسي الحزبي والتنظيمي , فكان تأسيس هذا التجمع يمثل بارقة أمل حقيقة وصادقة , تحمل في ثناياها حسن تعاطي مع الأدوات المذكورة أعلاه في ممارسة العمل السياسي . فمن حيث الإيمان بحمل السلاح كمنهجية للعمل السياسي , تميز تجمع الأمل بأنه تجمع سلمي , لم يضع في أدبياته أبدا حمل السلاح , كأداة لتحقيق أهدافه السياسية , وهو بهذا الموقف يمثل حالة هجران فريدة للعنف المادي المسلح , الذي تميزت به الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية في البلد , هذا العنف ادخل البلد في مستنقعات أصبحت أرضا خصبة بعدها لإنبات الإجرام والمجرمين . فلم يستعن هذا التنظيم الفتي إلا بالكلمة الصادقة سلاحا , وجعل من شعار الفعل قبل القول مدفعا جبارا يناهض به الشعارات الزائفة التي أصبحت مرضا مزمنا في الوعي السياسي العراقي .أما ما يتعلق بالمال السياسي , فقد كانت موارد الدعم المالي لكثير من الأحزاب العراقية واضحة ومكشوفة , خاصة مع عدم إقرار قانون الأحزاب الذي يقنن عملية تقديم الدعم المالي للأحزاب . وقد إنقسمت الى ثلاثة أنواع : الأولى المال المستحصل من سرقة المال العام , وعادة ما تقوم به الأحزاب المسيطرة على الحكم والسلطة بإستغلال موقعها من أجل تدعيم أحزابها وتنظيماتها وشراء الذمم . والنوع الثاني هو تحصيل الأموال من أطراف خارجية أجنبية أو عربية , لها أجندات سياسية تتعارض وتتعادى في أكثرها مع مصلحة البلد ومصلحة المواطن . الطريقة الثالثة وهي طريقة تحصيل الأموال لدعم التنظيم السياسي من خلال إلزام أعضاء التنظيم بدفع إشتراكات رمزية تمكن هذا التنظيم السياسي من ممارسة فعالياته السياسية من غير الخضوع لأي قوة خارجة عنه تؤثر على قراراته وتحقيق أهدافه . ومعلوم لدى القراء أن الطريقة الأولى والثانية متبعة في عراق ما بعد صدام , وهي تمثل أقصى حالات الخيانة للبلد , وجلبت للبلد الكثير من المصائب , وأوقفت عجلة التقدم والبناء , وساعدت على ظهور حالات غنى فاحش , يقابلها حالات فقر متقع , بينما نجد الطريقة الثالثة التي إعتمدها تنظيم تجمع الأمل تمثل الحالة السياسية الصحية التي تمكن المواطن من ان يأمن جانب هذا التنظيم , فهي تحمل تثقيفا سياسيا للمواطن العراقي المنتمي لهذا التجمع , وتعود الإنسان على فكرة بناء التنظيم من خلال الأتباع وليس العكس , حيث عمدت الثقافة الصدامية , وثقافة أحزاب ما بعد 2003 على ترسيخ فكرة أن الإنتماء الى أي حزب تعني الإستفادة المادية من هذا الحزب , مما أبعد الوعي السياسي الشعبي عن فكرة الإنتماء الى أي تنظيم سياسي من أجل تحقيق غايات وأهداف فيها فائدة ومشاركة في بناء البلد وتحقيق الخير العام لأهل البلد......وللحديث تتمة ...........محمد أبو النواعير . العراق - النجف الأشرف .
https://telegram.me/buratha