د. حسين الشويلي
تصاعدت الكلمات المجرّحة بسماحة الشيخ الصغير وصدر تعميم على ما يبدو من الجهات المعنية لخطباء كردستان لكي تدلي بدلوها في هذا التجريح، والمستغرب جداً أن هؤلاء الخطباء إن صح الخبر الذي نقلته الحرة العراق ادانوا اعتبار الشيخ الصغير أن الأكراد هم مارقة ومصدر العجب إما لأنهم لم يسمعوا محاضرة الشيخ الصغير حول الحراك الكردي، وإما أنهم لم يفهموا اللغة العربية، ولا أخفي أني منذ ان صدر مقال فخري كريم وهو ملحد رسمي إن صح التعبير والتي هرّج وجريدته حول هذا الموضوع حتى أعدت سماع محاضرة سماحة الشيخ فوجدت الجميع (يخوط يم الإستكان) إن كان بريئاً، أو مرتزق من مرتزقة التسول السياسي كما هو عهدي بفخري كريم (عضو مكتب سياسي في الحزب الشيوعي قبل طرده لسرقته أموال الحزب) وحسن العلوي (وهو أشهر من أن يعرف به في مجال التسول) وأشباههم، ولأن هؤلاء نافخي نيران مدفوعي الثمن فلن يجدي الحديث معهم، ولكن أعتقد أن مخاطبة خطباء كردستان ومعهم من خدع بكلمات هؤلاء جديرة بالاهتمام، لأنها يمكن ان تساهم بتحقيق ما أراده النافخين نار تخريب العلاقة بين الشيعة والأكراد.
فالمارقة في اللغة العربية كما يصف صاحب لسان العرب هي سرعة الخروج من شيء، ومرق السهم من الرمية أي خرج من الجانب الآخر. انتهى، ويكون المروق معيبا وجارحاً لو تم استخدام المروق في الموضوع الديني، لأنه يستدعي القول بالخروج من الدين أو التعدي من محرماته، وسيكون معيباً لو جاء الوصف أخلاقياً، ولكنه سيكون كلمة عادية جداً حينما يستخدم في وصف الأماكن والأشياء، فالسهم مارق إن خرج من القوس، والقافلة مرقت من الحي إذا ما تجاوزت حدود الحي، والحيوان مرق إن خرج من إسار صائديه، وهكذا.. وبالعودة إلى حديث الشيخ الصغير فإن المروق المستخدم فيه هم من جنس الأمر الثاني لا الأمر الأول، فهو يتحدث عن مكان إلى جانب الترك، وهذا المكان تمرق منه مارقة بناء على حيثيات حرب وأزمات كبيرة تجتاح الشام، مما يجعل الشيخ الصغير يستدل على أن هذا المروق هو انفصال سياسي لهذه المنطقة من النظام الشامي الذي كان يحكمها، وقد استدل بدلالة المكان ودلالة القوم أن المراد به هو أكراد سوريا الذين سينفصلون عنها ويعلنون نظاماً سياسياً خاصاً بهم، وكل الكلام جاء من دون ادنى تعريض أو إهانة او مثلبة بأحد، وعندئذ أين وجد السادة خطباء كردستان أن الشيخ الصغير وصف الأكراد بالمارقة بالمعنى الديني او الأخلاقي؟ أليس جلياً أن الأكراد في كل مكان كانوا ولا زالوا وسيبقون ينادون بحق تقرير المصير، وهم لأن لم يطالبوا بها في بلدان لأسباب سياسية أو امنية او اقتصادية، فإنها باقية في عقولهم كحق قومي في عصر كان الصراع السياسي فيه قومياً، وكردستان سوريا ليست استثناء من بقية الأكراد، فهم يطالبون الآن علناً بذلك نتيجة للأوضاع الامنية والسياسية المكفهرة في سوريا، ولعل الشيخ الصغير كان غامزاً من طرف خفي بنصيحة إلى أكراد سوريا أن لا يفعلوا ذلك لأن الأتراك سيستغلون ذلك في القضاء على هذا المشروع كما أوضح ذلك في محاضرته التي لحقت بهذه المحاضرة بعنوان: الحراك التركي، ولذلك أعتقد أن الأمر ليس بالصورة التي هولتها مقالات كثيرة، وكان الأجدر بالاكراد والقيادة الكردية أن يضعوا الحديث في ميزان المتحدث أيضاً الذي يصنف بأنه من أصدقائهم السياسيين، ولا أشك أن الكثير من المتابعين لأخباره ومواقفه ربما كانوا ينتقدونه بسبب دعمه لمواقف الأكراد، وهو أمر لم يتضح لي على الأقل إلا في خطابه الأخير في يوم القدس حينما تحدث عن استراتيجيات المرحلة، والتي تبين أنه يتحدث عن العلاقة بين الطرفين الشيعي والكردي باكبر من التفاصيل اليومية التي تخرج نتيجة الحراك السياسي..
اعتقد أن هذه الأزمة قدمت رسالة مزعجة عن العلاقة بين الطرفين، وأثبتت أن الكثير من الأكراد وسياسييهم مستعدون على الفور لنسيان كل الصفحات الإيجابية في العلاقة مع أصدقائهم، بل وتمزيقها لمجرد حديث يبدو أنه جاء في غير وقته، وكان الاجدر أن تعمد القيادة الكردية للملمة أطرافه وعدم السماح للأمر بالوصول إلى هذه النتائج، مع أن الشيخ الصغير أصدر توضيحا لحديثه وهو في العادة قليل التصريح والرد خصوصاً ضد من ينتقدونه..
إن كل الأحاديث قابلة للفهم بكل الاتجاهات، ويمكن أن تحمل على وجوه كثيرة، وفي أحاديث الكثير من القيادات السياسية الكردية الكثير مما يمكن أن يفسر في خارج إطار العلاقة الطيبة بينهما والقيادات السياسية الصديقة لهما خصوصاً لمن يريد ان ينبش احاديث التاريخ، ولكن من الواجب القول بأن الإعلام الصديق لهم لم بحمل ذلك على هذه المحامل، ولم يفسرها بأكثر مما تسمح به الظروف، وكان الأليق عدم إفساح المجال لأمثال فخري كريم الذي يدعي أنه كبير مستشاري رئيس الجمهورية ولا لآمثال حسن العلوي الذي كان مصطفاً فترة طويلة مع ذابح المظلومين الأكراد ويطبل ضمن جوقة النكاية بهم، وأنا مطمئن من أن الأيام لن تمضي سريعاً حتى ينقلب هؤلاء على أصدقاء اليوم، لأن الكتابة عندهم والرأي المسيطر على عقولهم هو ما يرجونه من إدرار مالي أو سياسي يرتد إليهم، وبغيره فإن سهام العداوة ستتبدى منهم.
إن كان تهدئة الموقف مقبولاً في فترة من الفترات فأعتقد أنه ضروري ولازم أكثر من أي وقت في هذه الفترة العصيبة التي تمر بالجميع، لأنها لن تأتي إلا بالمزيد من قوة عدوهما المشترك، وهي مسؤولية مشتركة على الطرفين.
https://telegram.me/buratha