حافظ آل بشارة
مع اني تأخرت في الكتابة حول الأزمة التي جرت بين سماحة الشيخ جلال الدين الصغير وبعض الاوساط الكردية بسبب ذكر الشيخ لنص تاريخي من الملاحم والفتن يصف بعض الكرد بالمارقة في زمن الظهور ، اخواننا الكرد العقلاء والاكثر علما وضعوا الأزمة المختلقة في موضعها ، وتعاملوا بوعي ومحبة مع الشيخ وبحثه وهونوا الأمر بمسؤولية عالية ، في وقت توالت عليه الهجمات الاعلامية ،
كان الشيخ مبدعا في تناول موضوع الظهور عبر محاضرات عديدة وقد ربط بين المنهج الاخلاقي والسياسي والعقيدي مستفيدا من النصوص ، فهو مارس عملية نقد وتعبئة ممتازة وفي وقتها المناسب ، كما اخضع النصوص لرؤية تطبيقية ، لكن من المعروف ان المتحدثين في قضية الظهور يواجهون مشاكل ، فقضية الظهور قديمة ، وموضوع علامات الظهور موضوع مفتوح ولا يمكن السيطرة على مصاديقه ، ويقول بعض الباحثين الاجتماعيين ان الشيعة اكثر اهتماما بموضوع ظهور الامام الحجة (عج) لما لحقهم عبر التاريخ من ظلم وقمع وبحثهم عن منقذ حيث تتداخل التمنيات بالحقائق ، الائمة المعصومون وضعوا ضوابط لعقيدة الظهور فحرموا التوقيت وكذبوا الرؤية ، اي توقيت ظهوره ، او ادعاء رؤيته في غيبته ، وركزوا اهتمامهم على بناء الانسان ودعوته الى تحصيل الكمالات ، عندما تفشل الامة في استثمار وجود الامام
فوجوده وغيابه سواء ، وسبق لهذه الأمة ان عايشت 11 اماما معصوما فلم تستثمر وجودهم المبارك بل تفرجت عليهم وهم يقتلون بأيدي الطغاة بالسيف والسم مع انصارهم ، وكما قال أحد المفكرين جوابا عن سؤال : لماذا الغيبة ؟ قال : عندما تضع البلدية لاهل قرية مصباحا يضيء ليلهم وهم يحطمونه وكلما وضعت لهم مصباحا حطموه وقد كررت ذلك 11 مرة ، فمن الطبيعي ان تمتنع عن وضع مصباح جديد بانتظار ان يصبح اهل القرية مستحقين له ،
ثقافة المنقذ موجودة في كل الاديان ، وهو موقف بشري شامل من مهدي آل محمد (ص) مقيم العدل وموحد الامم ، كل قوم يعرفونه برموزهم ومن تراثهم الديني والثقافي . وبناء على معايير الأمة التي تستقبل المهدي ، فالروايات تذكر انه يخوض حرب ابادة دموية للقضاء على المنحرفين والفاسدين والمجرمين والظلمة افرادا ومجموعات وحكومات ، لانه يخرج في وقت تكون الأرض قد ملئت ظلما وجورا ، نحن شعب مظلوم فقير مروع وننتظر المنقذ ،
انا شخصيا بحاجة الى المهدي (عج) في الماضي والحاضر منذ كنت في الصف الثالث المتوسط اقرأ في مكتبة الحسينية القريبة روايات الظهور واحدث بها اصدقائي واشعر بأمل منعش وانا لا املك ثلاثين فلسا اشتري لفة فلافل منغمسه في العنبة في يوم دراسة طويل وزملائي ابناء التجار يلتهمون اللفات طوال اليوم لا يعرفون المهدي (عج) ، بقيت انتظر المهدي (عج) وقد كبرت ونشأت معارضا سريا وهاجرت وقاتلت وقرأت وكتبت ونشرت وتظاهرت وهتفت وتزوجت واصبحت ابا لحزمة من الرجال ووصل رفاق خندقي الى السلطة ،
كنت ادعو لهم ان يكونوا من انصار المهدي والمستشهدين بين يديه ، واليوم ادعو على بعضهم ان يكونوا هم المقتولين بسيفه ، كنت اعاني من فقدان لفة فلافل واليوم اعاني من فقدان ايجار الشقة الرثة التي اسكنها فكلما جاء موعده ارتجفت فرائصي كأني اقاد الى المشنقة ، ورفاق الخندق لا تكفيهم قصور العراق فيشترون شققا وفيلات وشاليهات على كورنيش الروشة والرملة في بيروت !
هذا الوضع الا يحتاج مهديا سيفه بيده ليحسم الموضوع لصالحي ولصالح ملايين المظلومين ؟ الشيخ جلال الدين رعاه الله وهو استاذ الجميع ترك مارقتنا الشيعية وذهب الى مارقة الكرد ، يا شيخنا ، المارقة اوسع مما يتصور الرواة ، المكونات السياسية العراقية ملغومة بالمارقة والمارقين والمروق ، هل ان وسطنا الشيعي والسني ملائكي وهو ملغوم بعبيد السلطة واللصوص والخونة والجهلة والمتكبرين والانانيين ؟
هل ان وسطنا الشيعي والسني ليس فيه مارقة لتتركه وتذهب لذكر مارقة الكرد ؟ تركت الغامنا الشيعية والسنية وذهبت لتدوس على اللغم الكردي ، وانت ضمن هيئتنا القيادية ، وانت باحث وتعرف ان النص التأريخي بمجرد ان تعاد قراءته يتحول الى عاجل ، نص آني ، نص فوري ، نص ابن لحظته التي قرئ فيها وليس اللحظة التي كتب فيها ، انت تعرف اكثر مني ماذا يعني الكرد في هذه اللحظة الحساسة : هم قطب ثان في تحالف سياسي تأريخي شيعي كردي استمراره يضمن عدم عودة المعادلة الظالمة ،
الكرد حصتك من الطائفة الشقيقة تعززك سياسيا وتجعلك أغلبية حسب تعبير المراقبين ، فان انت دفعتها الى الابتعاد عنك لجأت الى حاضنتها المذهبية فتغير التوازن ، الكرد يعني تأريخ مؤلم من الابادة والتضحيات والنكبات القادمة من بغداد ، الكرد يعني دولة نفطية منتظرة صغيرة تضاف الى مجموعة الدول المستحدثة المدللة ،
الكرد ظهر مهديهم منذ بضع سنين ينادي بدولتهم المنفصلة فيقابلونه بالتصفيق ، الكرد يعني 17% الشهيرة ، الكرد فريق متماسك له مشروعه الواضح المسند بشبكة علاقات دولية واقليمية ، وهم ليسوا كمحيطنا الوطني والمذهبي المفكك المتنافر ، شيخنا الجليل انا اول من لفتت انتباهي معالجاتك الحديثة والعميقة والمبتكرة لموضوع الظهور ، ولكن الحديث في مجموعة طلبة في قاعة لا يعني في عصرنا هذا سرا ، في عصر بلا اسرار ، ولكن اذا كنت ناويا ان تدوس على لغم فالغامنا الشيعية اخطر واولى واقرب وادهى ، وانت خير العارفين .
انت مظلوم لا جدال في ذلك وانا اول من يتعاطف معك ، لكن القابض على جمرة يتوقع الاحراق ، انت صاحب رسالة وانا لا اؤيد ان تفارق تيارك الذي اسهمت في بناءه وتطويره وانت موضع ثقة ومحبة قيادته ، تريثنا قليلا في الدفاع عنك لأننا رأينا كيف ان اصدقاءك من الكرد العارفين اكثر بساطة ومحبة واشد دفاعا عنك لانهم رفاق تأريخ وقضية واصحاب افق سياسي وثقافي . كانت تجربة مفيدة وهي ليست نهاية انها بداية لبلاغ مسؤول متواصل معطاء لكن له تبعاته .
https://telegram.me/buratha