محمد حسن الساعدي
الذي يتابع حركة السيد عمار الحكيم وطبيعة اطروحاته ومواقفه السياسية من مختلف القضايا يلمس بوضوح نهج الاعتدال والمرونة التي يتميز بها وطريقة التعامل مع الازمات تجعل منه حلقة الوصل بين مختلف الاطراف السياسية الفاعلة، فتاريخه وبداياته كانت مفتاح بناء هذه الشخصية السياسية ،فعندما غادر السيد عمار الحكيم، النجل الأكبر لعزيز العراق (قدس) مدينته النجف الاشرف، مُكرهاً، مع والده وبقية أفراد عائلته، من بطش النظام العفلقي عام 1979، كانت ذاكرته قد احتفظت جيدا بصور الحياة في مدينته النجف التي ولد فيها عام 1971، وبمشاهد مساجدها، خاصة ضريح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ومكتباتها وأزقتها وأسواقها، وكانت هذه الصور والمشاهد تنبض في ذاكرته وتبعث حية وهو في غربته، كما حافظ بقوة على سلامة ونقاء لغته الأم، العربية، بل وبلهجته النجفية، خالصة لا تشوبها أي مفردة أخرى على الإطلاق.السيد الحكيم كان يدرك جيدا أن هذه الصور والمشاهد المختزنة في الذاكرة الفتية، مفتاح باب العودة إلى وطنه ومدينته وأهله، فهو ما نسى يوما، أو تناسي أنه سيعود إلى العراق، ويكمل دراسته الحوزوية في دور العلم بمدينة النجف، بل كان يغذي ذلك الأمل بقوة وبلا تردد، كما أنه كان يتابع بدقة أخبار بلده في الداخل.وكان على السيد الحكيم أن يجمع بين العلوم الفقهية ويتقدم بها، من جهة، وأن يتقن العمل السياسي على يدي عمه ووالده، مؤسسا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (قبل أن يتغير اسم التنظيم إلى المجلس الأعلى الإسلامي)، فهو سياسي بالوراثة.وحسب سيرته الذاتية، فإنه «أكمل دراسته الأكاديمية، ودرس المعارف الإسلامية (الفقه والأصول وعلم الرجال والفلسفة والمنطق والتفسير)، حتى تجاوز مرحلة المقدمات ثم السطوح ومن بعدها شرع في دراسة السطوح العليا التي تعد أعلى المراحل العلمية في الحوزات العلمية للمذهب الجعفري، وتلقى فيها الدروس على يد عمه شهيد المحراب (قدس) ، وبعض المراجع في قم المقدسة ».يتمتع السيد عمار الحكيم بتنوع ثقافي واجتماعي منفتح على كل ما هو ثقافي وإبداعي ضمن حدود الدين الإسلامي، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب نجاحه في بناء علاقات متوازنة ورصينة مع جميع أطياف المجتمع العراقي، وبجميع مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم، ويدل على ذلك حرص قادة وشخصيات سياسية عراقية كردية وسنية، وحتى من غير المسلمين العراقيين، على التواصل معه والآخذ بنصائحه ومشورته التي كانت الفاعلة من خلال خطاباته في الملتقى الثقافي او غيرها من المؤتمرات او الندوات التي كان يحضرها او يقيمها، بعض من الذين استمعوا الى احاديثه مباشرة خلال الامسيات الرمضانية، وخلال جولاته في داخل العراق وخارجه ولقاءاته مع شخصيات سياسية وغير سياسية متنوعة، شخصوا الافق الواسع لاطروحاته ورؤيته المستقبلية التي يمتلكها ومواقفه بشأن القضايا المختلفة. وزياراته التي قام بها لعدد من المحافظات العراقية شمالا وجنوبا غربا وشرقا ، تمثل مؤشرا ودليلا على ذلك التقييم، وحرصه على التواصل والانفتاح مع كيانات وقوى وشخصيات سياسية قد تكون عليها ملاحظات ومؤاخذات في مواقفها السياسية، انطلاقا من مبدأ عدم التفريط بها وتركها تتبنى المزيد من المواقف السلبية تجاه العملية السياسية، واستيعابها بطريقة لاتخل بالمبادئ والثوابت الوطنية، هذه الدعوات التي يطلقها المبادرات الوطنية تعبر عن قوة وثراء صاحبها الفكري وحرصه الشديد على حلحلة المشاكل والازمات التي تعصف بالعراق والعمل على تعاضد جميع ابنائه الذين دفعوا الثمن وهم من خرجوا ليواجهوا الارهاب وهم من توحدوا بوجه المد الطائفي وتجاره وهم الذين يقفون اليوم على اعتاب مرحلة جديدة تسود فيها الموطنة الحقيقة ، في ظل الدولة العصرية الحديثة.
https://telegram.me/buratha