الباحث احمد الشجيري
أن الوطن يتكون من ثلاث مكونات، إقليم وهو قطعة الأرض داخل حدود محددة، ومن شعب وهو مجموع الأشخاص الموجودين بشكل دائم فى الإقليم، وسلطة تمارس السيادة على الإقليم. منذ نشأة الدولة، وحتى القرون الوسطى، إختلط مفهوم الوطن بالسلطة التى تمارس السيادة على الإقليم، لذلك فقد كان إنتماء الشعب ينسب إلى السلطة، وكان المصطلح الذى يطلق علي مجموعهم هو مصطلح الرعايا Subjects وهو يشير إلى الإنتماء إلى السلطة، ولذلك فقد كانت جريمة الخيانة العظمى High Treason تتحقق بوقوع أى صورة من صور عدم الولاء للحاكم، سواء أكانت تتصل بالإتفاق مع عنصر أجنبي أم لا، بل أن مجرد إبداء عدم الولاء للحاكم حتى ولو كان بشكل لفظي محض، كان يرقى لإرتكاب جريمة الخيانة العظمي .مصطلح المواطن citizenظهر مؤخراً، وإكتسب ذيوعاً فى الثورة الفرنسية. قد يبدو التعبيران وكأنهما مترادفان، بإعتبارهما يشيران إلى الجنسية، أى إرتباط الشخص بدولة ما، ولكن الأمر ليس كذلك. فى المسودة الأولى لإعلان الإستقلال إستخدم جيفرسون تعبير fellow subjects ولكنه عاد وأبدله بتعبير fellow citizens وذلك لأن لفظ الرعايا يُغلِّب إرتباط الأفراد بأجهزة الدولة السيادية، وخضوعهم لها، فى حين أن لفظ المواطن يشير إلى الإنتماء للوطن، و يُغلِّب حق الشخص فى مواجهة السلطة، وليس تبعيته لها .إذا فمفهوم المواطنة، هو إنتماء لوطن وليس لدولة، وإن كان يشتمل فى نفس الوقت على علاقة مع دولة ما بمعنى الأجهزة التى تمارس السيادة على الإقليم ، إلا ان ذلك الإرتباط ليس إرتباط تبعية، أو خضوع، بل هو إرتباط تحكمه حقوق المواطن على الدولة، وواجباته تجاهها، وليس خضوعه المطلق لإرادتها .إذا كان ذلك كذلك، فإن المواطنة تعنى إنتماء سياسي لوطن، ولكنها لا تلغي الإنتماءات الأخرى داخل ذلك الوطن، فالشعب المكوِّن للوطن، ليس كتلة صماء، بل هو مُكوّن من مجموعات، متعددة الإنتماءات السياسية، والعرقية، و الإثنية، وهو من حيث النوع مكون من نوعين ذكور وإناث، والمواطنة من جهة لا تعنى إلغاء تلك الفروق بل تؤكدها، ومن جهة أخرى تساوى بينها. المواطنة تقوم على ركيزتين رئيسيتين: الوحدة والتنوع، فالوحدة هى وحدة بين مكونات ثقافية وسياسية وإثنية متعددة، وعلى نوعية مزدوجة، وقيام هذه الوحدة مرتبط ليس فقط بقبول التنوع، بل بالإحتفال به بإعتباره السبيل لخلق مواطنة معافاة .الحديث عن وطن مكون من قومية واحدة، أو دين واحد، أو إثنية واحدة، لم يعد مقبولاً الآن فى ظل تطور سبل الإتصال بشكل يسمح بسهولة إنتقال الأفراد والثقافات عبر الدول، بحيث لم تعد مقولة توم بين ( العالم قريتى)، إحساس فردى، بل واقع معاش، فالجمبع يشاهدون على شاشات التلفزيون يومياً ما تشهده أى دولة من الدول من أحداث مهمة بغض النظر عن بعدها المكانى والإنتمائى عن تلك الدولة. إذا كان مفهوم المواطنة يقوم على التعدد، وعلى إعلاء حقوق الفرد فى مواجهة السلطة، فإن الخيار الديمقراطي يصبح هو الخيار الوحيد المتاح لضمان حقوق المواطنة .السمة الرئيسية للنظام الديمقراطىالديمقراطية كنظام للحكم ليس نمطاً واحداً متفق عليه، فالأنظمة الديمقراطية متعددة، ولكن جميعها تتولي فيه الحكومة السلطة برضا المحكومين، وتكون خاضعة لمحاسبتهم. ورغم أنه ليس هنالك إتفاقاً علي تعريف جامع مانع للديمقراطية كنظام سياسي، إلا أنه يسهل التعرف على سماتها الأساسية. يبدو أن بوبرpopper لمس أساس الديمقراطية حين عرفها في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" بأنها " النظام الذي يسمح بإزاحة الحكام دون اللجوء الي القوة ". وإذا كان ذلك ما يميز الديمقراطية عن غيرها من الأنظمة، فإن ذلك لا يتحقق إلا بمنع الطغيان، فالطغيان في نهاية الأمر، هو إستخدام السلطة لحسم الخلافات. واقع الأمر هو أن الديمقراطية ترتكز بنفس القدر، على حقين وهما الحق فى المساواة والحق فى الحرية. وبالتالى فإنه يمكن التعرف علي مدي توفر الديمقراطية في النظام بدرجة وجود الحرية والمساواة في ذلك النظام.
https://telegram.me/buratha