حافظ آل بشارة
مشروع قانون البنى التحتية ، مبادرة كبيرة تطلبت ان يحضر رئيس الوزراء وفريق عمله الى مجلس النواب كخطباء جدد ، ارادوا استجوابه فحضر ليدخل معهم في نقاش اكثر خطرا كعملية تحويل اضواء ، مشروع البنى التحتية تم سلخه من اطاره الاقتصادي المعروف عالميا ، لأن البنى التحتية هي جزء من خطة التنمية وتخصص لها سنواتها الخمس الاولى ، التنمية نفسها هي عملية بناء وتطوير مترابطة سياسيا واقتصاديا وبشريا ، لايمكن بناء قطاع اقتصادي انتاجي حديث وتسليمه بيد مجتمع يشكو من التخلف والامية والجهل والعزلة ، ولا يمكن بناء قطاع خدمي متطور لخدمة مجتمع غير قادر على تشغيله ورعايته وحمايته ، التنمية يجب ان تسير متزامنة ، تأهيل الاقتصاد وتأهيل البشر ايضا ، هل يوجد نموذج عالمي سابق فصل بين الاثنين يمكن تقليده ؟ في مجلس النواب تكتشف بسهولة ان الهواجس تدور في دائرة (هذه حصتك فأين حصتي) او ايحاءاتها ، هناك مخاوف الربط بين البنى التحتية ونظام الدفع الآجل ، فالشركات المنفذة ستعمل بالدين وتسجل فوائد تصاعدية كبيرة ، بعضهم اعرب عن مخاوفه من نظام المديونية ، ومنهم من قال ان مورد العراق الوحيد هو النفط ومصيره مرتبط بالازمات الاقليمية والعالمية ، دعاة المشروع قالوا ان الشركات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية مضطرة للعمل بهذا الاسلوب الذي يحقق امتيازات للطرف المستفيد فلماذا لا يستثمر العراق الفرصة ؟ الناس خارج القاعة سمعوا ان المشروع بحاجة الى 36 مليار دولار فقالوا انه مبلغ هزيل يمكن تهيئته نقدا ، تذكر المشاهدون ان عشرات المليارات من الدولارات من اموال العراق ما زالت مفقودة ، وان كثيرا من المحافظات تعيد جزءا من موازناتها الى الخزينة لتعذر الاستثمار ، وان فوائض هائلة من العوائد النفطية تنهال على البلاد زيادة على السعر المفترض الذي خصصت بموجبه الموازنة الحالية ، وان فوائض موازنات السنوات الماضية تتكدس فلماذا الارتهان للديون ؟ في القاعة كان افق النقاش ضيقا ، لكن طريقة التداول جيدة وترسخ مدرسة القرار الجماعي ، وهو احد مصاديق الديمقراطية ، المذهل ان احدا لم يسأل عن الارضية اللازمة للبنى التحتية اين هي ؟ انصب النقاش على كل ماله علاقة برائحة النقود ، لم يشم احدا رائحة الارهاب او رائحة الفساد ، لا يمكن قيام تنمية في العراق مادام الارهاب والفساد قائمين ، الارهاب مستعد لنسف كل شيء في لحظة وهو قادر على اختيار الزمان والمكان ونوع الضحية ، الشركات التي تأتي الى العراق تجازف بسلامة كوادرها ومقراتها ومعداتها ومواقعها ، وتجازف بما تنجزه من بنى تكون عرضة للنسف الفوري ، واذا استطاعت الشركات تجاوز مأزق الارهاب فلن تستطيع الافلات من مأزق الفساد ، فالشركات الكبرى تتوقف حياتها المهنية على التعامل مع بيئة استثمارية نظيفة من الفساد والفوضى ، فهي تخشى من تسلل الفساد الى أفرادها و اجهزتها ، وتخشى ايضا ان تقع ضحية للمعارك بين اللصوص الكبار المدججين بالحصانة والحماية والكواتم ، الارهاب والفساد لم يحظيا باهتمام مجلس النواب ولا الفريق الضيف عند مناقشة مشروع البنى التحتية ، وهما اهم بكثير مما ناقشوه ، العراق بلد تحتله جحافل الارهاب والفساد وهما وجهان لعملة واحدة ، صديقي مدير عام في دائرة ، شن حملة ضد الرشوة وسرقة الأموال العامة ، وبينما كان منهمكا في عمله ، وجد على طاولته مظروفا ابيض داخله رصاصة ، فعلم ان الارهاب والفساد متحدان فدراليا وينطلقان من ممر واحد ، قبل مبادرة البنى التحتية يجب اعلان ستراتيجية امنية وطنية جادة متزامنة مع برنامج حقيقي لمكافحة الفساد ، فالتنمية تبدأ من هنا وليس من هناك ، والجميع يعرف لماذا يدور النقاش حاليا هناك وليس هنا .
https://telegram.me/buratha