جواد العطار
يقول هنري كيسنجر مستشار الامن القومي الامريكي السابق : ان ادراك اطراف أي نزاع بأنهم في مأزق؛ يدفعهم للبحث عن سياسة بديلة او مخرج من النفق المسدود deadlock ، وهو احدى الشروط الاساسية لنجاح تسوية سياسية مقبولة لاية ازمة مهما كانت خطورتها .. غير ان شمولية الاحساس بالكارثة وفقا لكيسنجر ضروري ايضا لنضج مساعي انهاء الازمة ، اما اذا اقتصر ادراك الكارثة على طرف واحد فقط ، فان ذلك يؤدي الى اختلال التوازن وضياع فرص الحل .واذا كانت الازمة السياسية في العراق تمتاز بالتوازن وتوافر فرص الحل ، لانها تمتلك خاصية شمولية الاحساس بالكارثة التي تدرك خطورتها جميع الاطراف السياسية ، فان ذات الكتل تفتقد الى لحظة النضج اللازمة لانهاء الازمة والمتمثلة بعقد اللقاء الوطني .. فكلما اقتربنا من ذلك لاحت في الافق عراقيل تحول دون التئام جمعه بما يمكن ان نسميه (لحظة ما قبل النضج) لتُعلِق آمال تسوية الازمة سياسيا وتؤجلها او تبعدها ، فرحلات علاج الرئيس كانت احد الاسباب الخارجة عن ارادة الكتل والتي حالت دون انعقاد اللقاء الوطني والتي اُعلن انها زالت؛ بشفاءه وعودته منتصف الشهر الحالي الى بغداد ، لكن ما ان اقترب منتصف الشهر حتى حدثت تطورات على صعيدين سيكون لها الوقع السلبي على اللقاء الوطني فيما لو انعقد ، وهما :1. اصدار المحكمة الجنائية قرارا باعدام الهاشمي ، واذا كان الاشكال ليس في القرار؛ لان القضاء مستقل ومحترم من قبل الجميع ولا اعتراض او تدخل في قراره باي شكل من الاشكال خصوصا ما يتعلق بمحاكمة الارهابيين ومن تلطخت ايديهم بدماء الشعب العراقي المسكين؛ فان توقيته كان غير مناسب وبالامكان تأجيله الى ما بعد اللقاء الوطني ، لان الهاشمي اصلا ليس في قبضة العدالة ، فالقرار القضائي المناسب في التوقيت غير المناسب سيكون سببا في التأثير على انعقاد اللقاء الوطني .2. اعلان تشكيل قيادة عمليات دجلة في محافظتي كركوك وديالى ، وهو من صلاحية القائد العام للقوات المسلحة الذي يملك الحق الدستوري في تشكيل اية قيادة او نقل قطعات عسكرية الى أي مكان يجده مناسبا في العراق الفيدرالي ، الا ان توقيت ذلك الاعلان واثارته اعلاميا كان غير مبرر وبالذات ما يتعلق بموضوع الدعوات الرسمية والاحتفالية وهي قضية امنية المفروض ان لا يتم التعامل معها بالصورة التي مرت علينا في الاسابيع الماضية ، وبشكل جعل من القرار الامني المناسب في التوقيت غير المناسب سببا في زيادة الاحتقان السياسي بين اطراف الازمة والتأثير على اللقاء الوطني .ان المطلب ليس في ايقاف عجلة القضاء المستقل او خصوصية المؤسسة الامنية في نظرتها الى الموقف الميداني العام ، بل في معالجة الملفات التي تشتت انظار السياسيين وتبعدهم عن اختيار التوقيت المناسب لايجاد لحظة النضج المطلوبة في تحديد موعد نهائي لانعقاد اللقاء الوطني اولا؛ والاتفاق على جدول مقبول لاعماله ثانيا؛ وترحيل كافة الملفات الاخرى الى ما بعد انعقاده ثالثا؛ تمهيدا لتصفية الخلافات وبناء ارضية الانفراج والنجاح .
https://telegram.me/buratha