الدكتور يوسف السعيدي
في ديننا الحنيف ان من يرتكب خطيئة أو خطأ يستغفر الله على ما فعل، ويتوب اليه.... وفي الكثير من الحالات فان من خالف قواعد الشريعة فانه يدفع كفارة اطعام عدد من المساكين أو صيام بضعة أيام وبحسب الذنب الذي اقترفه. وفي المسيحية يذهب المخالف الى كنيسته ليقر بذنبه وليعترف بما فعل أمام الكاهن ليزيح عن ضميره عبء ما ارتكب... وفي موروثنا العربي يردد الناس القول: بان الاعتراف بالخطأ فضيلة...وفي العالم المتقدم يعترف رئيس الدولة بأي مخالفة تنسب اليه وقد ارتكبها فعلاً والا فان عليه ان يبرهن العكس... وعند ارتكابه مخالفة فانه يساق الى القضاء كأي مواطن فليس هنالك من شخص خارج نطاق المساءلة أو فوق القانون...هذا ما حصل فيما سمي فضيحة (water gate) عندما اكتشف ان الحزب الجمهوري قد وضع اجهزة انصات لمعرفة ما يدور في مبنى الحزب الديمقراطي وترتب على ذلك استقالة ريتشارد نيكوسون رئيس الولايات المتحدة من منصبه طائعا مختاراً..وحتى الرئيس كلينتون احيل الى القضاء وحكم عليه بالغرامة لان احدى العاملات اقامت عليه دعوى مفادها التحرش الجنسي......وعند عدونا إسرائيل فان اولمرت ظلت تطارده الشرطة بالتحقيقات ويستدعى يوميا لمخفر الشرطة ليحقق معه ضابط صغير...اما عندنا ففي الزمن الراهن..يعدم الناس ويقال في حينه انهم خونه وتنكر الاعدامات بعد حين، ويجادل البعض بان هذا لم يحصل ابداً وكأن الناس لا يعرفون موتاهم...وينكرون انتهاك الحرمات مع ان اسماء من انتهكت حرمته معروفة لدى الملايين.ويتحدثون عن انجازات لم توجد إلا في الخيال....وتجري عمليات الذبح وينكرها من ارتكبوها مع ان ايديهم ملطخة بالدماء...ولا احد ينكر وجود الفساد إلا المفسدون... مع ان عقاراتهم شاخصة، ومزارعهم لا يحيط بها النظر، وانها لموجودة في كل محافظة بالعشرات... كما ان القصور معروفة باسمائها...وحتى الحكومات المجاورة على سبيل المثال تبذر ما شاء لها التبذير من أموال شعوبها لتغذي الفتنة في العراق... فليس مهما عندها ان يبقى الشعب عاريا جائعا أنما المهم ممارسة هواية هذه الحكومات في قتل العراقيين زرافات ووحدانا.ثم ينكرون... واحيانا يتبجحون بما اقترفتهم ايديهم، وليس من حق الشعب ان يحاسب...وفي جزر واق واق التي كان السندباد البحري يمخر عباب الموج اليها شرد ملايين، واغتصبت نساء، ومع ذلك فان من فعل بريء من كل ذلك براءة الذئب من دم يعقوب...ويملأ البعض الدنيا ضجيجا بالحديث عن امل الناس في ان يعودوا إليهم حاكمين وكأن الناس راغبون بالموت، يبحثون عن الرعب المستديم، هواة للفقر والجوع، عشاق للمآسي التي حلت بهم... فهم ماسوشيون بكل ما في الكلمة من معنى... والماسوشية هي مرض نفسي لا يرتاح المصاب به إلا اذا سلطت عليه سياط العذاب...في الريف العراقي كان الشخص الذي لا يطيق صيام رمضان، يرتدي عباءته المهلهلة ويمسك بعصاته، ويتوجه الى قرية مجاورة لكي يقنع نفسه بأنه على سفر، لينطبق عليه قول الحق تعالى، (ومن كان منكم على سفر فعدة من أيام اخر)...على ان اثرياء النفط هذه الأيام يشدون الرحال في رمضان الى أي مكان في الدنيا ما تشرق الشمس فيه ساعة أو ساعتين حتى تغيب...وكأن الله سبحانه لا يدري بمقاصد الناس، وهو الذي لا يخفى عليه شيء مما تضمره الصدور...وبالعودة الى ما نحن فيه فأننا نجد البعض ينكر ما اقترفته يداه والبعض الآخر ينكر ما تقترفه الآن من آثام وكأن الله لا يعرف ماذا فعل ذاك؟ وما الذي يفعله غيره الآن...أو كأن الشعب لا يدري بما حدث وقد كان الضحية ولا يعرف ما يجري وهو ما برح الضحية.ان الالفاظ التي تنهال على الناس مثل رصاص من رشاشة لن تستطيع ان تمحو خزين الأيام السالفه... كلا ولن تمحي ما (تجود به هذه الأيام)...ان الناس لا يقرأون السطور وحسب بل انهم يقرأون ما خلف السطور....وان العراقيين بالذات شكاكون من الطراز الاول، وقبل الفيلسوف (ديكارت) كان ديدنهم ان يبداوا بالشك حتى يصلوا الى اليقين...هل اتاكم حديث ذلك الفلاح الذي كان يجلس في احدة مقاهي (جسر ديالي) وقد سمع وهو يلف سيجارته المذيع يقول...نبث عليكم على موجة طولها... كيلو هرز...ظن الفلاح ان المذيع يتحدث عن مشروع تزعم الدولة انها تقوم به فما كان منه إلا ان قال:(أذرعوا على كيفكم ياهو اللي بيده فيته ويحسب وراكم)...وهذا الامر مع احزابنا من اندثر منها، ومن هو ينازع، ومن هو ما زال يتبختر بحلة جديدة يتصورون ان ما يصدر عنهم صدقا كان ام كذبا فانه يدخل قلوب الناس، وهم، لذلك، لم يترددوا في المبالغة بما انجزوا أو ما ينجزون..أو كما يقول المثل الشعبي العراقي (يذرعون بالهاشمي).... والهاشمي مقياس للطول كبير بعض الشيء...لكن الكذب لن يوصل الى نتيجة، وحتى ما خفي ويخفى على الناس تحت واجهات من محاربة الامبريالية والصهيونية فأنهم يعرفون، ويميزون بين العقل والجهل، بين الحقيقة والادعاء، بين الراي الحكيم والمحفوظات، بين الفكر الحصيف والعقل الذي تنساح منه الثرثرة...وان خفي عن الناس فان الله سبحانه ( يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور)...
https://telegram.me/buratha