حافظ آل بشارة
اتحدى كل من يدعي القدرة على رسم صورة دقيقة للمشهد السياسي الحالي للعراق ؟ لا أحد يستطيع ذلك ، هناك فشل في مواجهة الأزمات ، وفشل حتى في توصيف الازمات ، ولو سكت الجميع عن التوصيف ، لكان الصمت ابلغ تعبير عن الحقيقة الخفية ، المشكلة ان هناك حشودا من الشخصيات منهمكة في توصيفات يشطب بعضها بعضا ، المشكلة الثانية ان التوصيفات حافلة بالاكاذيب والمتضادات اللغوية والمجازية والحقيقية ، صور غثيانية تمثل مقلوب الحقيقة ، سيول من الكذب تتدفق كالقيء ، اذا سألت المتحدث عن سبب تمسكه بالكذب يقول لك : هذه سياسة ، يا أخي متى تتعلمون ؟ الطبيب في المستشفى يدعوك الى عيادته ليسرقك ، والسياسي يدعوك الى مكتبه لجلسة فيهديك مجموعة اكاذيب ! ثم يلومك : يا أخي الا تعرفون معنى السياسة ؟ انت متخلف ، انت تريد خطابا سياسيا خال من الاكاذيب ، هذا اسلوب قديم منذ كان الدينار خشبا وكانت الاسعاف بعيرا !... فلت : القيم ثابتة وخالدة ويمكن لتطورات العصر ان تجعل القريب بعيدا والصعب سهلا والحلم حقيقة ولكنها لا يمكن ان تقلب الحق باطلا والكذب صدقا ، قال : (يمعود دروح) ، ازدواجية مشرعنة تؤطر خطاب البعض ، يقولون مالا يفعلون ، يسمون الاشياء بعكس اسماءها وهم يعلمون ومرتاحون وسعداء ، واحد يصرح : على القوى السياسية تحقيق رؤية موحدة لادارة البلد ، صاحب التصريح يعلم انه هدف مستحيل ، ويعلم ان البلد تتقاسم ادارته فئتان متناقضتان فئة تريد البناء ، تقابلها فئة وظيفتها التهديم ، واحد يصرح : تهريب السجناء جريمة بحق الشعب وفساد في القوات المسلحة ، وهو يعلم ان التهريب يجري بصفقات مزدوجة سياسية مالية على اعلى مستوى ، القتلة يجب ان يخرجوا من العراق ليحتشدوا في سورية لتدميرها ثم التدفق على العراق لتدميره ، واحد يصرح : الفساد مرض وبيل ويجب دعم هيئة النزاهة لمواجهته ، وهو أحد الفاسدين ، ويقول همسا : مفوضية النزاهة عش للفاسدين لأن الفساد اصبح تقليدا وظيفيا في البلد ، واحد يصرح : القوات المسلحة ملغومة بالارهابيين والاختراقيين ، وهو نفسه محاط بالارهابين ويعتمد على القتلة في حسم كثير من الملفات ، يعلنونها حربا على فساد العقود الاستثمارية مع ان لهم حصة الاسد منها ، يتباكون على سكان الصفيح وقبل جفاف دموعهم يوقعون شراء ارقى الفيلات والشقق في لبنان وايطاليا واسبانيا واوربا ، احد المؤمنين لص محترف لديه فتوى تجيز سرقة اموال الدولة لانها دولةغير شرعية وان السرقات تحقق عزة االمؤمنين وذل المخالفين ، ويقول ان توظيف الاقارب جريمة وهو يوظف اقرباءه بشهادات مزورة ، هذه تقنية اعلامية راسخة لرسم صورة متناقضة للمشهد الحقيقي ، المستفيدون من الازدواجية حققوا المصالحة والتوازن والوحدة والثقة المتبادلة والتخادم الاخوي ومعاركهم الكلامية لا تفسد للود قضية ، خلف الكواليسس يتعانقون ويضكون ، لابد لهذه اللعبة من ضحية وهي عادة الشعب ، من يقف الى جانب الشعب يقتل ويشيعونه باحترام ، الوحدة الوطنية بين الازدواجيين شطبت اي محاولة للتوصيف الصحيح ، تشويش كامل ، العراق بلد غامض لا هو مقسم ولا هو موحد ، لا هو ديمقراطي ولا هو استبدادي ، لا هو مستقل ولا هو محتل ، لا هو ارهابي ولا هو اصلاحي، لا هو بعثي ولا هو لبرالي ولا هو اسلامي ، بلد ليس له شكل محدد ولا مضمون موحد ... ربما تتغير الامور فنحصل على بلد حقيقي ، حتى ذلك الوقت نتمنى لكم اطيب الاوقات .
https://telegram.me/buratha