بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
السرقة والفساد امران قديمان، تعاملت معهما الشرائع السماوية والوضعية ووضعت لهما علاجات وعقوبات قد تختلف حسب الحالات. فالسرقة عمل فردي او جماعي، دافعه الطمع او الحاجة، لنهب مال خاص او عام.
اما الفساد فاختلاط الصالح والفاسد، واشاعة الجرم وتعميمه، وزرع مبررات ودوافع انتاجه.. ليصبح هو القاعدة في عمل الدولة والمجتمع.. فالفرق واضح في الاول، وغامض في الثاني.لذلك تعامل الدستور (73/اولاً) مع الفساد كما يتعامل مع الارهاب والجرائم ضد الانسانية.. فالفساد لا يعالج بالاتهامات والاعتقالات والمحاكمات فقط.. فما لم يشخص مصدر الفساد ومفرخاته الاساسية، فسيتكاثر ويوسع دوائره، ويصعب ملاحقة عناصره وتعطيل مسبباته الاساسية.
سالني مرة احد المراجع العظام حفظهم الله ورعاهم، قال.. جاء موظفون يشكون الفساد والتزوير.. وعندما يبلغون، سرعان ما تفتح ضدهم الدعاوى الكيدية والاتهامات الباطلة.. فيسألون هل نغلق اعيننا؟ ام نبلغ، ونتعرض للاذى؟ قلت سيدنا، انتم اعلم بالحكم الشرعي.. اما تفسيري فهو ان الدولة بقوانينها ومعاملاتها وروتينها وتنظيماتها هي مصدر الفساد الاعظم. فهناك مفسدون، وهناك عوامل متعددة للفساد. لكن قوانين الدولة معقدة.. واجراءاتها بطيئة وقاتلة.. وانظمة المعاملات والعقود قديمة.. تراكمت فيها التعديلات وضوابط العهود المختلفة.. فاصبحت حسب الحالة قادرة ان تسمح بكل شيء او تمنع كل شيء. والدولة بمطالبها المرهقة، بل احياناً التعجيزية، المصدر الاساس لاشاعة الفساد. فعليها ان ارادت الاصلاح ان تهيء نفسها تشريعياً وادارياً وتنظيمياً لانجاز مهمتها الاولى وهي خدمة المواطنين وانجاز المعاملات بالسرعة والسهولة الممكنتين.. بخلافه ستتعطل المصالح والمعاملات.. ويكثر التذمر والتسويفات.. فيزداد الفساد في الدولة وبين الناس. فيشعر المسؤول والموظف بسلطة عظيمة يمتلكها ويتربى عليها.. يواجه بها اصحاب المصالح المرغمين على تسيير شؤونهم، والمواطنين الذين ترهقهم مراجعاتهم. فنقص استعدادات الدوائر، يعني بالتطبيق العملي عقوبة جماعية للمواطنين.. وتعطل المصالح الصغيرة والكبيرة، بكل الاضرار والخسائر. دون ملاحقة او محاسبة تتعرض لها الدولة المحصنة بقوانينها وقدراتها.
سيصعب استكمال بقية الحلول، دون انجاز امرين اساسيين.. الاول وضوح القوانين والحقوق والصلاحيات والمسؤوليات والشروط والضوابط، وتوفير المستلزمات المادية واللوجستيكية والتنظيمية لخدمة المواطن والمصالح، وغلبة التفسير الايجابي والميسر لتمشية المعاملات وسرعة انجازها.. والثاني تقوية اجراءات المراقبة والمعلوماتية الذكية بدون تشهير واتهامات مسبقة.. ليطوق المفسدين بالادلة الاكيدة والمخالفات الواضحة، ما يسمح باتخاذ اشد الاجراءات والعقوبات.
https://telegram.me/buratha