علي بابان وزير التخطيط السابق
العراق ..البحث عن البوصلة..!! تخيلوا فردا ضل طريقه أو جهل وجهته عند مفترق طرق متعددة ..متشعبة..مختلفة الاتجاهات ..ماذا يصنع بلا دليل ولا بوصلة...؟؟.هذا هو بالضبط حالة الدولة التي لا تمتلك إستراتيجية واضحة ولا رؤية للمستقبل ..و هذا هو حالنا في العراق اليوم و كذلك الحال في معظم دول العالم الثالث...أي خطة شاملة أو فرعية لا تستند إلى إستراتيجية محكمة و رؤية واضحة مصيرها الفشل و الضياع ..و محكوم على مواردها بالهدر و التبدد..فالعلاجات الجزئية لا تداوي جرحا و الخطط الترقيعية لا تنجز هدفا.الإستراتيجية الشاملة للدولة هي الأهداف الرئيسية العامة التي تتفرع عنها الإستراتيجيات الفرعية و الجزئية..و الرؤية هي الحلم و التصور الكامل للمستقبل الذي تنبثق منه الرؤى الأصغر في كل حقل و ميدان..أخطر ما يمكن أن تصاب به الأمم هو عندما تتعدد فيها الرؤى و الإستراتيجيات و تتضارب..فيكون عندنا ( إستراتيجيات متعددة) منبثقة من ( هويات فرعية) و في تلك الحالة تغيب و تنعدم الإستراتيجية الوطنية التي تجمع الكل .نحن في العراق لدينا ( جداول أعمال مختلفة للدولة).. جدول أعمال لهذا المكون ..و جدول اعمال لذاك المذهب.. ثم جدول أعمال لتلك القومية.. و الأخطر من هذه الجداول الثلاثة هو جدول الأعمال الرابع القائم ...على الفوضى و القدرية و الإستسلام للأمر الواقع و المعالجات اليومية و إعتماد ردود الأفعال..و العنوان العريض له هو ..عش يومك ولا تبالي بالغد.من المؤسف أن (استراتيجيات الدول) لا يوجد عنها سوى القليل من الأدبيات و حتى في الدول المتقدمة فأن أغلب ما يكتب هو إما عن إستراتيجيات منظمات الأعمال أو الإستراتيجيات العسكرية كما أن الكتاب العرب و العراقيين عندما يكتبون عن ( الإستراتيجيات) أو حتى عن ( التخطيط) يطنبون في (الكلام الإنشائي) و يتبارون في ( البلاغة) حتى كأن الأمر سباق بين من يستطيع ذكر أكبر عدد من الأهداف الجميلة و المطلوبة فيما الفعل الإستراتيجي و التخطيطي في واقع الأمر ليس سوى ( مفاضلة بين عدة خيارات) و اختيار أفضلها بناء على فهم للواقع و للبيئة الخارجية و الداخلية للدولة .هناك أفراد يعيشون ليومهم ولا تتجاوز نظرتهم أبعد من أنوفهم ..و هناك أمم على نفس المنوال و هناك يكمن الخطر كل الخطر.نبحث عن Swotعراقي وSwotهنا ليس سوى أسلوب التحليل الإستراتيجي (الأبسط) و ( الأكثر شيوعا و استخداما ) و ( الأنسب للدول) و هو يقوم على تحليل عوامل القوة Strength و عوامل الضعف Weaknessو الفرص Opportunitiesو المهددات أو الأخطار ThreatSwot قائمةالعراقية للوهلة الأولى تبدو حافلة و غنية في ابعادها الأربع ..لكن هذه العناصر ليست خالدة بل يضيف لها الزمن و الأحداث كل يوم جديدا .لو سألتني بسرعة ما هي أكبر المهددات في الحالة العراقيةمن وجهة نظري لأجبتك على الفور ..أنه الإنقسام الوطني و التشظي الداخلي ..أنه أخطر عيوب الكيان العراقي بلا منازع ..و الهويات الفرعية التي تعيق نمو و نشوء الهوية الواحدة..هذه الهويات التي تزودنا بثلاث نسخ من Swotكل واحدة تختلف تماما عن الأخرى..!!هنالك اليوم الكثير من التساؤلات الكبيرة في حياتنا تبدو معلقة بالهواء و بلا إجابات و هي تكبر بإستمرار ... و هنالك الكثير من المجاهيل في مسيرتنا كدولة ..و كوطن ..و هذه المجاهيل تربك طريقنا و تشتت تفكيرنا و تقض مضاجعنا .الضباب يملأ أفاقنا و لا زلنا نجهل هل نحن في طريق صاعد أو هابط ..و هل نذهب تارة يمينا ثم نستدير لنتجه شمالا ..نبني ثم ننقض في الغد ما بنيناه بالأمس ثم نسعى لنشيد بناء جديدا قبل أن نغير رأينا مرة أخرى..!!.
https://telegram.me/buratha