بسم الله الرحمن الرحيم
في احدى ايام دراستي الابتدائية دخلت معلمتي برفقة طفلة وعرّفتها على انها ابنة شهيد من الجنوب انتقلوا الى بغداد للسكن , جلست أمامي وكنت احدق في تصفيفة شعرها الجميلة ولم يخيل لي ابدا ً تلك اللحظة انها ستكون صديقتي الحميمة , ما ميز تلك الطفلة قوة شخصيتها وامتلاكها لعشرة انامل مبدعة فهي فنانة في مجال الخياطة والحياكة وغيرها من الفنون ولقد امتهنت الخياطة في أيام المتوسطة واعانت اهلها واكملت دراستها حتى حصولها على بكلوريوس في العلوم فكانت بحق مثل يحتذى به واتذكر جيدا كيف انها اقنعت امها ببيع اخر قطعة ذهبية يمتلكونها واستبدالها بماكنة وقد تعهدت لوالدتها بانها سترجع لها قطعة الذهب من انتاج تلك الماكنة وفعلت , كنت معها خطوة بخطوة فلقد كانت ثقتها بنفسها تزداد يوما ً بعد يوم وتأجج الهمة بين زميلاتها فلقد كنا نتسابق في حياكة ملابسنا المدرسية شتاءا ً ونبهر مدرسة الفنية في ذلك الوقت .
مرت السنين واصبحت تلك الطفلة أم وبعد انقطاع اخبارها لفترة اثر سفرها خارج القطر عقب التهجير رجع الاتصال فيما بيننا وفي اثناء الحوار سألتها من ان موهبتها حتما في تطور وان بناتها يقطفون ثمار ما تنتجه اناملها فردت ضاحكة " اووو بعدج تذكرين ... بعد التركي والسوري ما شفت مكينتي ".
شعرت بمسحة حزن في قلبي فلقد ركنت صديقتي الى حيث يركنون فلم تعد بتك المثابرة التي عهدت وربما عذرها في زحمة تفاصيل الحياة وان كان لابد من وقت يحدده الانسان ليُبدع في فن ما , ها هي الايام تطوي صفحة جميلة من الماضي فجيلنا انقرضت طريقة حياته وحل محلها جلوس الفتيات امام شاشات التلفاز لتتبعها موجات هستيرية وحالات تمرد على الاهالي وفشل في الجانب الدراسي وتحلل تدريجي من كل قيمة وتقمص لما تشاهده على الشاشات وعدم رضا وسلبيات كثيرة .
وفي اثناء مطالعتي لاخبار الوكالة قرأت خبر يتحدث عن احتمالية قطع العلاقات الاقتصادية مع تركيا عقدت النية في الكتابة عن الموضوع فلقد قدم الخبر حلولا ً بالاستيراد من اليونان !! او اقامة مصانع اوربية داخل العراق لتغطية السوق وحقا ً رب ضارة نافعة فالاتكال في العراق قد اخذ ماخذا , فالمواطن كيف له ان يعشق بلده ويفديه ويشعر بالانتماء وهو لا يأكل من زرعه ولا يلبس من انتاجه ولا يستعمل شيء " صنع في العراق " الا ما ندر وهذا امر سلبي للغاية فبعيدا ً عن ضرب صناعتنا الوطنية وكوننا في حالة اتكال مزمن وليس لنا اكتفاء ذاتي فنحن الان مستهلكون لامور لا ندرك من اين اتت وهل هي حلال ام حرام في كثير من الحالات خاصة الغذائية منها ولا نعلم هل ان المواد مضرة ام لا وهذا سينعكس على اولادنا وصحتها واحوالنا فاللقمة المجهولة المصدر تغير النفس هذا ان اهتممنا بالاحوال الروحية والنفسية .
العمل عبادة , والايدي العاملة كثيرة , والارامل والايتام حدث ولا حرج , ومشروع صناعة الملابس هو الابسط فماذا ننتظر ؟!!! ننتظر مصانع اوربية ؟ لماذا هل سنصنع رؤوس نووية ! لو كانت البداية تسليم كل ارملة تتقن الخياطة ماكنة مع رزمة قماش وطلب محدد للمسنا الفرق وحتى أقامة مصنع صغير في كل منطقة امر ليس بالمستحيل ولقد اشرت سابقا ً من امكانية استغلال مباني المدارس صيفا ً لمثل ذلك بل واقامة مصنع كبير لكل محافظة ايضا ً ليس بالصعب فهكذا مصانع بسيطة الكلفة قياسا ً بغيرها .
واضحكتني اخت وترها غياب البضاعة السورية وتخوفها من وضع تركيا جعلها تستعلم " شنلبس بعد !!!!" لقد نسيت تلك الاخت العشرة انامل التي من الله بها علينا وتلك السعادة التي ترافق قلب العامل حينما ينجز شيئا , العمل خير علاج للانفس التي اتعبها الزمن وهو ينقي المجتمع من كافة السلبيات خاصة عند النساء التي تشيع بينهن ظاهرة الغيبة والنميمة والغيرة فلو تحملت كل منهن مسؤولية اكساء ابنائها ستسعد وستترك جدال زوجها ولن تكبر الشرور في رأسها فقط لانها مشغولة بالعمل الذي يخدم اسرتها .
فبعشرة انامل تقي ماء وجهك من ذل السؤال وبعشرة انامل تبني لك نفسا ً محبة وواثقة من نفسها وبعشرة انامل تغزل احلامك المستقبلية وبعشرة انامل تبني وطنا ً جريحا ً وبعشرة انامل تـُسعد بها اسرتك وبعشرة انامل ترفعها شكرا لله طالبا ً لنفسك وابناء بلدك التوفيق
وبعشرة انامل احمد الله واختم سطوري سائلة المولى القدير ان يـُتبع سنوات العجاف هذه بسنوات خير ببركة التوكل على الله واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
بغداد
https://telegram.me/buratha