يبدو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لم يكترث للتاريخ البشري ولا يزال واهما بأنه يمكن احياء العظام وهي رميم، فهو لا يزال ماضيا دون جدوى بالبحث عن بقايا الامبراطورية العثمانية لإعادة احيائها ولو بالقوة.
السيد اردوغان ربما لا يعرف أن امبراطورية مهما كانت كبيرة لم تتمكن من العودة للحياة، لا في التاريخ القديم ولا الحديث، ولم يتمكن امبراطور أو سلطان أو زعيم أو قائد من تغيير حركة التاريخ وجعله يسيرالى الوراء، فكل المحاولات لإعادة الحياة للركام باءت بالفشل ، مع ذلك فالسلطان الجديد المصاب بآفة العظمة يحاول تحقيق حلم الطفولة ببناء الامبراطورية العثمانية المنهارة قبل مئة عام ليصبح سلطانا يحكم القريب والبعيد بيد من حديد.
الحالم التركي بأن يصبح سلطانا جديدا على اوروبا لم يتعاف حتى اليوم من الصفعة التي تلقاها من قادة الاتحاد الاوروبي عندما اغلق الباب في وجهه، لكن المغزى بقي بقلب الشاعر، فأوروبا ليست بحاجة الى عبء جديد، وقد شفيت من مرض العظمة منذ زمن بعيد، إلا أن السيد أردوغان مازال يتوعد صافعيه ويذكّرهم بمحمد الفاتح الذي أنقذهم من الظلامات الأوروبية القروسطية.
الصفعة الثانية جاءت من اسرائيل التي لم تعتذر للباب العالي على حادث قافلة الحرية المستباحه، ولم يأت الوعيد والتهديد بنتيجة، وساءت العلاقات التركية الاسرائيلية الى درجة اضطرت السلطان لدعوة كل أصحاب اللحى الطويلة والقصيرة إلى مؤتمره الأخير محذرا من مغبة تجاهله، ومؤكدا أنه سيحصل عاجلا أم آجلا على الاعتذار المنتظر، سيما أن أحد الضيوف في المؤتمر نصّبه زعيما على الأمة الاسلامية..
طموح السيد اردوغان للسلطنة على العالم الاسلامي لم يسقط من لائحة فتوحاته المستقبلية، فقد جال اسيا من شرقها الى غربها ومن جنوبها الى شمالها مقنعا قادة هذه الدول بأنه الفاتح الجديد، لكنه كما العادة كان يعود بخفي حنين، وأحيانا بصفعة وإن بصورة مهذبة. فلم يجد من يوافق على منصب الولاية في إطار إمبراطوريته الجديدة. هكذا وجد في الملف السوري آخر ما يمكن أن يزيل عن خده الحمرة، فراح من البداية يصب الزيت على النار، ولم يخف مؤخرا قناعته بأن مصير الشعب السوري هو أمانة أجداده في عنقه، وان حماية هذا الشعب مهمة لن يتخلى عنها السلطان فهو سيحارب حتى النهاية ليقضي على الطابع العدواني للنظام السوري .
لماذا لم يكتشف السيد أردوغان الطابع العدواني للرئيس السوري حين حلّ الأخير عليه ضيفا قبل بداية الآزمة السورية؟ ولماذا وقّع على أكثر من اربعين اتفاقية للتعاون معه شملت جميع مجالات الحياة ؟ لماذا كل هذا التبدل في موقفه تجاه الرئيس السوري؟ حتى أنه بدلا من تطبيق الاتفاقيات الموقعة فتح حدوده مع سوريا لكل من يريد اختبار قواه القتالية ضد الشعب السوري الذي صار أمانة في عنق السلطان الجديد!.
يبحث كثيرون عن السر في تغير موقف أردوغان من الرئيس السوري، وربما كان الجواب مع القذيفة السورية التي لم تذهب سياحة إلى الأراضي التركية، بل صفعة جديدة مفادها رفض الولاية العثمانية الجديدة على سوريا.
أسف القيادة السورية على القذيفة التي أطلقت بعد ساعات من تفجيرات حلب لم تكن إلا رسالة تشي باستعداد سوريا لكل الخيارات مع تركيا إن لم تغلق الأخيرة ابوابها المشرعة في وجه الجماعات المسلحة القادمة من كل أرض أنبتت بيارقا سوداء.
هدد السلطان وتوعّد واستعان بحلف الناتو لكن جواب الأخير جاء باردا، فمع التأكيد على التزام الحلف بحماية تركيا إلا أنه لم يكن معنيا بالرد على القذيفة السورية، واعتبره الخبراء رفع عتب ورسالة للسلطان الجديد مغزاها "دبّر حالك لحالك".
حال السلطان الجديد لايزال تحت تأثير الضربات السورية، ووقع رسائل االناتو.وحيدا في الميدان، يبحث عن مخرج كما بحث سلطان من أسلافه السلاطين وكان محبا للحلوى يأمر طباخيه بتقديم نوع جديد من الحلوى بعد كل انتصار جديد حتى أضاع اسنانه من كثرة قضم الحلويات القاسية فأمر بصناعة حلوى لا تحتاج لاسنان، فصنعوا له الراحات لُقم (الراحة) سهلة المضغ. ربما ماتزال اسنان اردوغان قوية، لكنه بحاجة لشراب جديد كزيت الخروع يعيد له صفاء الروح فهو بأشد الحاجة لوحي يسعفه بفكرة تحيي امبراطوريته.
* حسن نصر :أديب تونسي ولد بحي الحلفاوين أحد الأحياء الشعبية بتونس العاصمة عام 1937 سنة. تلقى دراسته بالمدرسة القرآنية ثم بجامع الزيتونة. تعاطى بعض المهن الحرفية الحرة ثم اشتغل معلما مدة قصيرة, التحق بعد ذلك بكلية الآداب ببغداد وتخرج منها.
32/5/1010
https://telegram.me/buratha