حافظ آل بشارة
المعاقون ليسوا كائنات هابطة من كوكب آخر ، الحمد لله شعارنا (في كل بيت معوق) كثمرة مرة للحروب والارهاب والحوادث والازمات المتعددة والاشعاعات السرية والعلنية ، ومن بقي فهو معاق الاعصاب والذاكرة كحصاد حتمي لهذه المصائب المتواترة ، مرة ذهبت مع مدير اعلامي لاختبار شخص يريد تشغيله في يوم انفجارات دام ، فرآه من بعيد يتحدث مع صديقه غارقا في الضحك فقال لي : لنعد ، لا احتاجه ، لا يضحك في هذا اليوم الا مجنون او سفيه ، هذا (معوق اخلاقيا) ... لا تتوفر احصائية مضبوطة عن عدد معاقي العراق ، يقولون انهم ثلاثة ملايين ونصف ، ويقولون انهم ستة ملايين رجما بالغيب ، وليس العراق وحده مبتلى بهذا الرقم . هناك 10% من سكان العالم معاقون ، اي ان عددهم يصل الى 600 مليون معاق ، 400 مليون منهم في آسيا والحمد لله ، المعاقون في العراق عدة انواع بعضهم عوقه ولادي وبعضهم تعرض الى حادث وهو صغير او كبير ، او بسبب الحروب او الالغام ، ومنهم بسبب العمليات الارهابية ولكل معاق قصته المؤلمة ، ولأننا مجتمع من اصول قبلية فالمعاق عندنا انسان من الدرجة الثانية ، ثقافتنا معاقة ايضا ، لانها تقول ان الرجل الكامل مفتول العضلات سالم مسلح مستعد للقتال والغزو فاذا اصابته اعاقة نزل من تعداد قوة القبيلة واصبح عالة عليها ، لذا من حق المعاق عندنا ان يشعر بالنقص ، خاصة وانه مسلوب الحقوق من زواج او مهنة او موقع اجتماعي ولا يحصل على جزء من حقه الا بجهد مضاعف ، ويحتاج الى خدمة خاصة في داخل اسرته وكلما اهتزت روابط الاسرة اصبحت خدمته اشد صعوبة ، ويواجه الكثير منهم صعوبة الاندماج في المجتمع الذي يعيش أمية حقوقية خطيرة فلا يدرك الكثيرون ما للمعاق من حقوق ، فوق ذلك يواجه المعاقون اهمالا من الدولة ، وعزاؤهم ان جميع الناس يشعرون بضياع الحقوق والظلم ، (الزلم الخشنة) كلها تعيش الظلم والفوضى الحكومية الوطنية الاتحادية ، بالعكس بعض المعاقين يعيش حياة اسعد من حياة السالمين . يجب اولا تغيير نظرة المجتمع الى المعاق ، فليس المعاق الذي فقد عضوا من جسده او الذي اقعد عن الحركة او الذي فقد نعمة البصر بل المعاق الحقيقي هو الذي فقد نعمة الاخلاق والاستقامة والانسانية ، اعادة تعريف العوق الانساني ضرورية ، مدمن الخمر معاق ، الحاكم الطاغية معاق ، البخيل والاناني والمتكبر والفاسد وآكل السحت والمشرك بالله كلهم معاقون عوقا صعب الشفاء ، واذا كان العوق الجسدي ينقلب الى ثواب في الآخرة ، فان العوق الاخلاقي عذاب في الدنيا والآخرة ، المعاق اخلاقيا لا تنفع معه العكازات ولا العربات الخاصة . المعاق جسديا في الدنيا مهبط لرحمة الله تعالى ، والمعاق اخلاقيا مهبط للشياطين . لذا فمعاقو الاجساد اكثر استحقاقا للخدمة على الصعيدين الاجتماعي والرسمي ، احترام المعاق ومساعدته تطوعا يعد أحد اهم معايير التحضر في المجتمع ، اما على الصعيد الرسمي فلابد من وجود مؤسسة كبيرة ذات مصداقية لرعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة ، تبدأ باحصائهم ، وتصنيف مستوى ونوع العوق ، ثم تضع التشريعات الملزمة لخدمتهم ، ثم تأهيلهم ليكونوا ضمن القوى المنتجة ذات الاعتبار الاجتماعي مما ينعشهم نفسيا . اذا نجحت الدولة في خدمة المعاقين فسوف تنجح في خدمة الشعب كله ، اما المعاقون اخلاقيا فتأهيلهم اصعب خاصة وانك تجد بينهم كبار القوم يحيط بهم رجال الحماية وتطوقهم الحواشي وتنهال عليهم الاموال ، ولكن اذا وضعوا تحت المجهر اتضح انهم من المعاقين اخلاقيا ، لذا يمكن تأسيس قصيدة بدايتها : ليس المعاق الذي شلت قوائمه / بل المعاق عديم الخلق والادب . فكم قعيد على دراجة دفعت/ لكنه افضل الاكراد والعرب .
https://telegram.me/buratha