المقالات

الاساءة إلي النبي (ص).. نعيب الزمان والعيب فينا......بقلم: محمد الرصافي المقداد* كاتب تونسي

1753 17:53:00 2012-10-17

 

شهدت الساحة الاسلامية هذه الأيام علي امتدادها، حراكا متواصلا، خرجت فيه جماهير الأمة، بمختلف أعراقها واتجاهاتها الفكرية والعقائدية، منددة بآخر عدوان شنه الغرب المعادي للاسلام علي للنبي (ص)، والذي كشف فيه عن حقد لمقدساتنا من خلال سماحه بانتاج وترويج (فيلم) مسيئ للنبي (ص).

لقد تعددت أساليب الغرب في الاساءة إلي مقدساتنا، بدأ من اختراق صفوفنا بالمندسين منه، وتمرير عقائدهم المنحرفة عن أصولها، وتحسسهم لنقاط ضعفنا وقوتنا، أمكن لهم من خلال هؤلاء أن يجمعوا من المعلومات، ما أتاح لهم سبيل التقدم علينا علي جميع الأصعدة، فاحتلونا وامتهنونا وأذلونا، حتي لم يعد هنالك شيء لم يفعلوه بنا وتأخروا في القيام به، وعوض أن نتمسك بديننا ونستلهم منه قوتنا وعزتنا، انخرطنا في مؤامرات الغرب علي ديننا بعنوان المدنية والحضارة والثقافة، بل وذهبنا إلي أبعد من ذلك فوقف من وقف بيننا بوقا للفتن،‌ وانضوي من انضوي تحت لواء جاهليتها، باسم الاسلام وبعنوان الدفاع عنه.

واستطاعوا أن يسلطوا علي رقابنا، أنظمة لم تعرف من الاسلام سوي رسمه، ومن الدين غير ما لعق علي ألسنتهم يدارون به الناس، فجثمت علي الحجاز بمساعدة الانكليز، أسرة غرقت في العمالة للغرب إلي آذانها، واستوطن بالمشرق والمغرب، من ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون، حتي أفضوا بنا إلي حضيض الأمم، جسدا بلا حركة ولا روح تنهشنا الذئاب والضباع.

وكان ديننا الاسلامي الأكثر ضررا، حيث ظهرت ارهاصات الحقد الاعمي عليه من خلال كتابات وصور تشويهية للنبي (ص)، وانتهاء باصدار صور وانتاج أفلام، تصور معتقداتنا في محصل العقلية الغربية المعادية للاسلام.

ما يحزنني هنا أننا أصبحنا دمية بين أيدي الأعداء يحركوننا كلما أرادوا استفزازنا، كأنما يريدون صرفنا مجددا عن الالتفات إلي بيتنا وتراثنا الاسلاميين، هذا البيت الذي اشتمل علي ثلمات افتعلتها أيديهم الآثمة، عندما تغلغوا بيننا، ووصلوا إلي كسب ثقة أسلافنا، ومن ثم دس سمومهم المسيئة لديننا....

قد يستغرب بعضنا من كتابتي، وقد يراها من باب صرفه عن وجهته التي هو موليها، في تثبيت جرم الاساءة إلي النبي (ص)، علي الغرب العدو الحقيقي، لكنه عندما له أعراض الاساءة من تراثنا ومصادرنا، التي طبل لها اسلافنا ومجدوها، إلي درجة اضفاء لقب الصحة عليها بلا استثناء، سيقتنع أن الاصلاح يبدأ من الداخل، ثم يتدرج إلي ما وراء ذلك.

البخاري في صحيحه يسيئ إلي النبي (ص)

من منا لا يعرف جامع الأحاديث لـ«محمد بن اسماعيل البخاري» (256هج)، الذي عرف بـ"صحيح البخاري" الذي حول قرابة أربعة آلاف حديث، وحسب ما نقلوا عنه أنه كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، وقد قال النووي بشأنه: (أجمعت الأمة علي صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما) يعني البخاري و«مسلم» (تهذيب الاسماء واللغات).

الا ان هاذين الكتابين تضمنا روايات نسبها اصحابها إلي النبي (ص) تحط من مقامه الرفيع وتسيئ إلي شخصه العالي عن الادراك، نري لزاما علينا كمسلمين نريد نصرة الله ورسوله (ص) ان ننبه اليها ونكشف مضامينها الفاسدة ليتبرا منها كل محب لله ورسوله (ص).

لا اعتقد أن هناك اساءة أكبر مما رواه البخاري في ما لقب به جامع احاديثه (الصحيح) من كون النبي (ص) ذهب مرارا إلي رؤوس شواهق الجبال ليتردي منها كلما أبطأ عنه الوحي.(كتاب التعبير/ باب أول ما بدئ  به رسول الله من الوحي/ حديث 6581).

تصور اخي القارئ المشهد، هل يمكن أن تتقبله؟ وهل كان البخاري يدرك ما تضمنته هذه الرواية من اساءة للنبي (ص)؟ بصرف النظر عما تخللها من نسبة الجهل اليه بأنه لا يعرف أنه رسول من الله واحتاج في ذلك إلي تسديد من «أم المؤمنين خديجة عليها السلام» و«ورقة بن نوفل» النصراني اليهودي المختلط.

وقد نقلوا عن البخاري قوله: (صنفت كتابي في المسجد الحرام، وما أدخلت فه حديثا حتي استخرت الله تعالي وصليت ركعتين، وتيقنت من صحته). فهل كان يتحري تدوينه بذلك الأسلوب التقوائي فعلا، أم أنه مجرد كلام تفنّده روايات كثيرة لا علاقة لها بالنبي (ص) وأدبه وسيرته، ولا بالدين وعلومه؟

مسلم النيسابوري يتأسي بالبخاري في نقل روايات الاساءة

لم يقف البخاري عند ذلك الحد بل ذهب إلي تسوية النبي (ص) بأدني الناس فنسب اليه التبول قائما عند سباطة قوم، وجاراه علي ذلك مسلم فنقل الرواية تأسيا به (البخاري كتاب الوضوء/ باب البول قائما وقاعدا ح217 و218 و219/ كتاب المظالم والغصب/ باب الوقوف والبول عند سباطة قوم ح2291// مسلم كتاب الصهارة باب المسح علي الخفين ح402 و403).

فكيف ينهي النبي (ص) عن عمل قبيح كهذا ويدعي هؤلاء الذين اخرجوا هذه الروايات بانه فعله؟ الا يعتبر هذا افتراء وتجنيا في حق أفضل مخلوقات الله؟

ليس هذا فقط، وإنما تتملكك الغرابة من تهافت البخاري وبقية ممن تلقبوا بأصحاب الصحاح، في جمع وتدوين الروايات المسيئة إلي النبي (ص)، دون التفات إلي مضامينها المخالفة لأخلاقه ووظيفته، بل هي متعارضة في متونها مع القرآن الكريم، كرواية سحر النبي (ص) علي يد يهودي ثلاثة أشهر (رواه البخاري كتاب بدء الخلق/ باب صفة ابليس وجنوده// كتاب الطب/ باب هل يستخرج السحر/ ح3268// صحيح مسلم/ كتاب السلام/ باب السحر ح2189).

ألا تري أخي القارئ بأن نسبة السحر إلي النبي (ص) تهدم مسألة علاقته بالوحي، ودوره في البلاغ وحضوره الذهني والروحي من أجل ذلك، وفوق هذا ما صرح به القرآن من ان السحر كيد يبطله الله وهو الذي لا يصلح عمل المفسدين فكيف يستقيم سحر النبي (ص) ثلاثة اشهر يعتقد أنه ياتي الشيء ولا يأتيه مع اداء تكليفه الذي كلفه الله به من تعليم وادارة ورعاية وحضور كامل في مختلف أوجه حياته الخاصة وحياة المسلمين العامة؟

ولم يتخلف أصحاب بقية المسانيد والسنن عن اخراج هذه الفرية، وزاد الألباني الطين بلة فصحح الحديث، كما درج عليه خط الاساءة للنبي (ص).

بين نصرة البخاري ومسلم ونصرة النبي (ص)

إلي متي يبقي التهيب من رد هذه الروايات الباطلة، حفاظا علي هالة الصحة التي أضفيت علي تلك الكتب؟ أفلا يكون تنزيه النبي (ص) بردّ تلك الروايات وتكذيبها، أولي من الاصرار علي صحتها سترا لاختلال تلك المدونات وإبقاء علي ما يسيء للنبي (ص) ويشوه نقاء صفحته من كل شائنة؟

ولقد كنت كتبت منذ ما يزيد علي العشرين سنة، مقالا بعنوان: افتراءات علي النبي (ص) جمعت فيه ما أمكنني جمعه من روايات باطلة الصقت بالنبي (ص)، دونها حفاظ الحديث والسيرة، تعتبر مسيئة له، ويجب ردها علي مدونيها، وقد اخترت بعضا منها في هذا المقال، طلبا للاختصار، وتحسيسا لذوي التأسي الحسن وأولي الاعتبار.

وأتيحت لي فرصة الاطلاع علي عقيدة الفرق الاسلامية فوجدت أن أقوم وأصوب عقيدة في النبوة تلك التي يعتقدها المسلمون من أتباع أهل البيت عليهم السلام، ذلك أن النبوة عندهم هي سفارة عن الله، يجب فيها الاصطفاء الالهي، ومن مستلزماتها عصمة المصطفي من الذنوب، صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها، وباعتباره قدوة واسوة فان جميع اعماله تعتبر حجة علي المسلمين باستثناء ما كان مخوصا له، في حين أن بقية الفرق تري أن النبي (ص) غير معصوم قبل النبوة، أما بعدها ففي الوحي فقط، كأنما الوحي معني بجانب من الحياة دون آخر، وكأنما النبي (ص) قد خصص قسما من حياته خارج اطار الوحي، فلا يجب فيه اتباعه، كرواية تأبير النخل المشحونة سخافة وتداعيا.

اننا نعيش اليوم في عصر التقت فيه العقول وأفكارها، والقلوب ومعتقداتها، لتنفض عنها سقيم القول، وتبعد موبوء الذكر، في منتهي التعقل، ورجاحة التفكير، القائم علي أساس من الحجة والبرهان، لأن الحق دائما يلعو ولا يعلي عليه، والحق أحق ان يتبع.

من واجبنا كمسلمين أن نلتفت إلي سد هذه الثغرات منع تمددها في بيتنا الاسلامي، فقد ولي الزمن الذي كان فيه العلم حكرا علي فئة قليلة من الناس، وعلي الدارسين اليوم لهذا التراث الضخم الذي تزخر به مكتبتنا الاسلامية، أن يولوا عناية بما نسب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)، فينقوا منه السقيم ويميزوا عنه السليم المطابق لكماله، كعبد اصطفاه الله ورفعه مكانا عليّا، اعترافا بما قدمه للاسلام ولنا كمسلمين.

فمن كان يحب الله ورسوله (ص) فعليه نصرته بما يليق بمقامه ويتناسب مع شخصه الذي أرسله الله سبحانه وتعالي ليكون رحمة للعالمين، وأول ما يمكنه فعله البراءة من هذه الاساءات التي ضمتها مجاميع الحديث، سواء أقصد أصحابها الاساءة أم كان تدوينهم لتلك الروايات عفويا، وهذا أضعف الايمان لمن يريد حقيقة رد الاعتبار للنبي (ص) ودحض ما ألصق به من تشويه.

ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

...............

3/5/1017ـ تح/ علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك