حافظ آل بشارة
اصبح الناس غير متحمسين لتوجيه الشتائم الى صدام وجلاوزته الاقدمين ، كلما ازدادت مشاكل الحياة تضائلت رغبتهم في شجب النظام السابق ورموزه ، يقول البعض اننا الآن منشغلون بشتم الدولة الجديدة فلم نعد نتذكر خطايا الجلادين القدامى ، الدولة كمنظومة انسانية ومسؤولية تأريخية لا بد ان تعبر عن شخصيتها بالرؤية الثاقبة والرسالة المشرفة ومنظومة القيم والاولويات والاهداف الاستراتيجية ، واذا فشلت في تعريف نفسها فلجهلها او فسادها او لنقص في الشجاعة ، او نقص في الثقة ، او نقص في التركيز ، أول امتحانات الدولة امتحان تحمل المسؤولية ، والرسوب هو التنصل عنها ، التنصل فن سياسي قديم ومعقد يتطلب توفير شماعات جاهزة تعلق عليها الاخطاء ، فان لم تكن موجودة لا بد من ايجادها ، انت تعمل مواليا للدولة براتب ، وانا اعمل عدوا للدولة براتب منها ايضا ، والمطلوب منا ان نكون في حالة صراع ديكة على مدار الساعة فنصنع التضحيات والضحايا ، انت توفر مصيبة ساخنة وانا اوفر الشماعة ، يعني اختصار المعركة في اولوية الاحتفاظ بالسلطة وليس بناء الدولة ، الدولة خادم للسلطة وليس العكس ، وهذه حقائق فالصراع التأريخي بين الديمقراطية والفردية هو صراع مفاهيم اولا ، على هامش هذه المسيرة يتشكل سياق درامي خطواته هي : 1- توجيه الاتهام الى عدو خارجي حقيقي او مختلق ثم التحريض عليه وحشد الجمهور للمعركة . 2- نتيجة لتكرار المشهد وقوة التقمص سيصدق المعنيون بان هناك عدوا ملعونا مما يوفر اجواء لتعريف السلطة كضحية معتدى عليها تمثل جانب الخير . 3- التحول من المظلومية الى الافضلية ، فالضحية عادة اطهر من الجلاد وان كانت تتصرف كجلاد ضد من هو اضعف منها ، شرعية الضحية مستمدة من وجود الجلاد فلولا الجلاد لما كانت الضحية موصوفة بالفضيلة فهي ليست فضيلة مطلقة بل نسبية ، ولكن كثرة الاستخدام الدعائي وتكراره ترسخ وهم الطهارة المطلقة فتصبح الضحية مقدسة ذاتيا حتى لو لم يذكر جلادها . 4- الانتقال من الشعور بالطهارة الى الشعور بالافضلية والغرور والقدسية ثم الشعور بالتفوق العنصري على الآخرين واحتقارهم . واذا وصل الحاكمون الى هذه المرحلة بدأوا يتوهمون الكمال والعصمة ، وهنا يفقدون القدرة على الاعتراف بالاخطاء ، فتتحول الاخطاء الى ظاهرة مقبولة ، فتنهار المعايير ثم تنهار التجربة ، وربما يتداخل سلوك الحكام والامة في هذا المسار ، المحكوم يقلد الحاكم في لغة التبرير وطهر الضحية المطلق ثم التفوق الوهمي ورفض الاعتراف بالاخطاء ثم قبولها ثم الدفاع عنها ، وقد يمتد التداعي الى العشيرة ثم الاسرة ، ثم يصاب بهذا المرض الافراد انفسهم ، فلم يعد الفرد الواحد قادرا على قبول النقد والتصحيح ويزداد ذكاء في تبرئة نفسه واتهام الآخرين ، وهذا يعني امتداد وهم العصمة الى الفرد ، فاذا انتقدت مواطنا نادى بالويل والثبور ثم اشتنفر العشيرة وأخذ عطوة ، تقليد حرفي للسلطة ، وهنا تتوقف عجلة التطور لدى الفرد والمجتمع والدولة ، والانجماد على لحظة زمنية معينة ، أي بلد يصل هذا القعر لم يعد لديه اعداء ولا اصدقاء ، لانه فاقد لقوتي الجذب والطرد ، تفاعلاته الداخلية كافية للاجهاز عليه . احد ذرائع التنصل عن الفشل واستخدام الشماعات الجاهزة الترويج بأن الدولة الفلانية والعلانية يتآمرون على البلد ويشكلون خطرا عليه ، الشطر الأول صحيح فهم بتآمرون وهذا متوقع وطبيعي ، لكن من غير المتوقع وغير الطبيعي والمخجل هو انهم يشكلون خطرا عليه ، ذلك لأن المتهمين المذكورين ليسوا دولا بل هم محميات واتباع لدول كبرى ، هم حكام بلا شعوب وشعوب بلا حكام لا يشكلون خطرا الا على انفسهم ، ومن يعدهم أعداء خطرين فمعنى ذلك انه أسوأ حالا منهم ، أمر عجيب ، حتى الشماعات تبدو غير مقنعة ، سيل من شتائم المواطنين بدأ يتجه الى مسار جديد ليرتاح الجلادون القدامى في قبورهم بعض الوقت .
https://telegram.me/buratha