المقالات

عصمة وهمية وعدو مختلق /

499 15:08:00 2012-10-17

حافظ آل بشارة

اصبح الناس غير متحمسين لتوجيه الشتائم الى صدام وجلاوزته الاقدمين ، كلما ازدادت مشاكل الحياة تضائلت رغبتهم في شجب النظام السابق ورموزه ، يقول البعض اننا الآن منشغلون بشتم الدولة الجديدة فلم نعد نتذكر خطايا الجلادين القدامى ، الدولة كمنظومة انسانية ومسؤولية تأريخية لا بد ان تعبر عن شخصيتها بالرؤية الثاقبة والرسالة المشرفة ومنظومة القيم والاولويات والاهداف الاستراتيجية ، واذا فشلت في تعريف نفسها فلجهلها او فسادها او لنقص في الشجاعة ، او نقص في الثقة ، او نقص في التركيز ، أول امتحانات الدولة امتحان تحمل المسؤولية ، والرسوب هو التنصل عنها ، التنصل فن سياسي قديم ومعقد يتطلب توفير شماعات جاهزة تعلق عليها الاخطاء ، فان لم تكن موجودة لا بد من ايجادها ، انت تعمل مواليا للدولة براتب ، وانا اعمل عدوا للدولة براتب منها ايضا ، والمطلوب منا ان نكون في حالة صراع ديكة على مدار الساعة فنصنع التضحيات والضحايا ، انت توفر مصيبة ساخنة وانا اوفر الشماعة ، يعني اختصار المعركة في اولوية الاحتفاظ بالسلطة وليس بناء الدولة ، الدولة خادم للسلطة وليس العكس ، وهذه حقائق فالصراع التأريخي بين الديمقراطية والفردية هو صراع مفاهيم اولا ، على هامش هذه المسيرة يتشكل سياق درامي خطواته هي : 1- توجيه الاتهام الى عدو خارجي حقيقي او مختلق ثم التحريض عليه وحشد الجمهور للمعركة . 2- نتيجة لتكرار المشهد وقوة التقمص سيصدق المعنيون بان هناك عدوا ملعونا مما يوفر اجواء لتعريف السلطة كضحية معتدى عليها تمثل جانب الخير . 3- التحول من المظلومية الى الافضلية ، فالضحية عادة اطهر من الجلاد وان كانت تتصرف كجلاد ضد من هو اضعف منها ، شرعية الضحية مستمدة من وجود الجلاد فلولا الجلاد لما كانت الضحية موصوفة بالفضيلة فهي ليست فضيلة مطلقة بل نسبية ، ولكن كثرة الاستخدام الدعائي وتكراره ترسخ وهم الطهارة المطلقة فتصبح الضحية مقدسة ذاتيا حتى لو لم يذكر جلادها . 4- الانتقال من الشعور بالطهارة الى الشعور بالافضلية والغرور والقدسية ثم الشعور بالتفوق العنصري على الآخرين واحتقارهم . واذا وصل الحاكمون الى هذه المرحلة بدأوا يتوهمون الكمال والعصمة ، وهنا يفقدون القدرة على الاعتراف بالاخطاء ، فتتحول الاخطاء الى ظاهرة مقبولة ، فتنهار المعايير ثم تنهار التجربة ، وربما يتداخل سلوك الحكام والامة في هذا المسار ، المحكوم يقلد الحاكم في لغة التبرير وطهر الضحية المطلق ثم التفوق الوهمي ورفض الاعتراف بالاخطاء ثم قبولها ثم الدفاع عنها ، وقد يمتد التداعي الى العشيرة ثم الاسرة ، ثم يصاب بهذا المرض الافراد انفسهم ، فلم يعد الفرد الواحد قادرا على قبول النقد والتصحيح ويزداد ذكاء في تبرئة نفسه واتهام الآخرين ، وهذا يعني امتداد وهم العصمة الى الفرد ، فاذا انتقدت مواطنا نادى بالويل والثبور ثم اشتنفر العشيرة وأخذ عطوة ، تقليد حرفي للسلطة ، وهنا تتوقف عجلة التطور لدى الفرد والمجتمع والدولة ، والانجماد على لحظة زمنية معينة ، أي بلد يصل هذا القعر لم يعد لديه اعداء ولا اصدقاء ، لانه فاقد لقوتي الجذب والطرد ، تفاعلاته الداخلية كافية للاجهاز عليه . احد ذرائع التنصل عن الفشل واستخدام الشماعات الجاهزة الترويج بأن الدولة الفلانية والعلانية يتآمرون على البلد ويشكلون خطرا عليه ، الشطر الأول صحيح فهم بتآمرون وهذا متوقع وطبيعي ، لكن من غير المتوقع وغير الطبيعي والمخجل هو انهم يشكلون خطرا عليه ، ذلك لأن المتهمين المذكورين ليسوا دولا بل هم محميات واتباع لدول كبرى ، هم حكام بلا شعوب وشعوب بلا حكام لا يشكلون خطرا الا على انفسهم ، ومن يعدهم أعداء خطرين فمعنى ذلك انه أسوأ حالا منهم ، أمر عجيب ، حتى الشماعات تبدو غير مقنعة ، سيل من شتائم المواطنين بدأ يتجه الى مسار جديد ليرتاح الجلادون القدامى في قبورهم بعض الوقت .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك