هادي ندا المالكي
لم يتمكن راشد من مواصلة زراعة ارضه التي تعود ان يباشرها في الصيف والشتاء طوال سني حياته التي قضاها في قريته الريفية بعد ان توقف جريان النهر وبعد ان تصدأت فالته ولم تعد تعانق ظهر الكطان والبني والشبوط وبعد ان تشقق خشب مشحوفه واصبح حاجة عديمة الفائدة ولم يفكر يوما ان ينصب شباكه لصيد الطيور المهاجرة" كالبط والخضيري والحذاف "التي هجرت هي الاخرى الريف العراقي بعد ان جف ماءه واحترق برديه وقصبه وغابت الوان "الخريط"في زحمة الغبار المتواصل الذي يغلف اجواء القرى والقصبات والمدن ولم تجد زينب ما تحصده بعد ان توقف راشد عن الزراعة فقررت ان تبحث لها عن عمل لمساعدة قرينها ولم تتوقف عن مراجعة الرعاية الاجتماعية علها تحصل على راتب يسد رمقها ويحفظ قليلا من كبرياء راشد الذي اضاعها في المدينة وهو يسكن في اطرافها دون عمل او مشغلة.وليس من حق احد ان يلوم راشد لانه هجر الزراعة وسكن المدينة وحَمل زينب ما لم تستطع تحمله في اخر ايام حياتها لانه لم يترك الزراعة كفرا وبطرا انما تركها بعد ان ايقن صعوبة مواصلة الحياة فيها،ولسان حالة يشكو ما ال اليه امره فلا ماء يعانق اجرافه ولا طيور مهاجرة تعزف سمفونية المجازفة والتحدي ولا اسماك لعوبه تغازل شباكه وتمنحه متعة التذوق والحياة ولا مجال لزراعة العنبر او البزمكي او "الغريبة" واصبحت المسحاة والفالة والمنجل شيء من التاريخ وصار لزاما عليه ان يتعلم الذهاب كل شهر الى وكيل الحصة التموينية لاستلام حصته البائسة ودموع الخجل والحياء تحفرا اخاديد على وجهه الشريف الذي لم يتعود يوما التقصير في الكرم والضيافة كيف والحال قد اصبح معقودا بعدد من الكيلوات التي لا تلبي الطموح ولا تفتح مضائف للكرم والجود.وراشد يحمل الحكومة مسؤولية ضياع ارضه وتصحرها وتحول العراق من بلد مصدر للمواد الزراعية واللحوم والفواكه والخضر الى بلد مستورد لكل شيء بسبب السياسات المائية والاقتصادية التي تتبعها الدولة العراقية سواء في زمن النظام البائد او في زمن الديمقراطية والتصحر والغبار وان كانت المسافة كبيرة بين النظامين والمقارنة ظالمة فصدام والبعث سعوا عن قصد وتعمد واصرار على تجفيف الاهوار وقتل الحرث والنسل بل ان صدام ساهم ماديا ومعنويا في اقامة السدود على دجلة والفرات داخل الاراضي التركية من اجل تجفيف مناطق الاهوار حقدا وحسدا وتخلصا من الجهاد والمجاهدين ومن خلال تحمل نفقات هذه السدود دون ان يفكر بمستقبل العراق وارضه ومائه وهوائه،بينما وقفت الحكومة الحالية موقف المتفرج والعاجر اتجاه هذا الملف الحيوي والذي يشبه مرض السرطان الذي يفتك بجسد الانسان حتى يقضي عليه في فترة محدودة.فالحكومة العراقية الحالية عاجزة عن القيام بعمل حقيقي تتمكن من خلاله اجبار الاتراك منح العراق حصته المائية وعاجزة عن اقامة السدود داخل الاراضي العراقية ووقف الهدر الكبير والمتعمد في المياه العذبة وعاجزة عن استثمار المياه الجوفية التي تستطيع ان تجعل كل ارض العراق خضراء وجميلة ومثمرة وعاجزة عن توفير الدعم للفلاح وحماية المنتوج الوطني .بامكان الحكومة ان تعيد راشد الى حقله لزراعته من جديد ومنح فرصة جديدة لزينب لمعاودة الحصاد قبل ان يقضي مرض الربو وضيق التنفس على حياتهما بسبب كثرة العواصف الترابية التي تعاني منها المحافظات العراقية بسبب التصحر والحروب وتقزم المناطق الخضراء.راشد طلب من الحكومة الاختيار بين زيادة المساحات الخضراء والقضاء على التصحر او زيادة المستشفيات والمؤسسات الصحية التي تعنى بامراض القلب وضيق التنفس والربوا لانه من الظلم ان يتحمل المواطن البسيط اخطاء الحكومات بينما تتنعم الحكومة بخيرات المواطن.
https://telegram.me/buratha