اسماعيل علوان التميمي
لاشك إن البنك المركزي قد أبدى كفاءة كبيرة ونجاحات يشهد لها في إدارة النقد بالعراق منذ تولي السيد الشبيبي هذا المنصب في 30/8/2003 إلى اليوم حيث حافظ على سعر صرف مستقر للدينار العراقي ومستوى تضخم يمكن أن يوصف بالمنضبط أو المعقول إلى حد ما واستطاع أن يحتفظ باحتياطي نقدي كبير يبلغ حوالي 67ملياردولار ونجح في إطفاء 80% من ديون العراق . كما يتمتع محافظه الشبيبي بسمعة طيبة ومكانة مرموقة في الوسط الاقتصادي والمالي وله ميزات شخصية تثير الإعجاب والاحترام ، فهو عالم وصاحب خبرة متراكمة كبيرة في ميدان عمله وعقلية اقتصادية ذات شأن على المستوى الوطني والعربي والدولي وسبق له إن عمل في مؤتمرات ومنظمات دولية عديدة واستعانت بخبراته عدة دول وخاصة في موضوع إطفاء الديون بين الدول . له مؤلفات تعد مراجع في سياسات الاقتصاد وإدارة الدين وعولمة الاقتصاد والتدفق المالي واقتصاديات نزع السلاح وغيرها ، كما تم اختياره ضمن أقوى 500 شخصية عربية لعامي 2011 و2012 ممن استطاعوا التأثير بدرجة كبيرة في مجتمعاتهم في تقييم نشرته مجلة أربيان بزنس .تتمتع البنوك المركزية في كل العالم ومنها العراق باستقلالية في عملها عن الحكومة باعتبارها مصرف الدولة وليس الحكومة .حيث تتطلب طبيعة عملها أن تتمتع باستقلالية كاملة في إدارة النقد الوطني والأجنبي على حد سواء وكل ما يتعلق به من نشاطات . لذلك فقد خصها الدستور باستقلالية كاملة وجعلها مسؤولة فقط أمام مجلس النواب كما ورد في المادة 103 أولا-(تعد كلا من البنك المركزي العراقي وديوان الرقابة المالية وهيئة الإعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف هيئات مستقلة ماليا وإداريا وينظم القانون عمل كل هيئة منها ) وهذا النص الدستوري صريح وواضح منع السلطة التنفيذية من التدخل في شؤون هذه الهيئة بأي شكل من الأشكال كما منع استجواب رؤساء الهيئات المستقلة إلا من قبل مجلس النواب حصرا كما حصر إعفائهم بمجلس النواب دون الحاجة إلى توصية أو اقتراح من مجلس الوزراء كما جاء في الفقرة ثامنا من المادة61 من الدستور . الشيء الوحيد الذي منحه قانون البنك المركزي لرئيس مجلس الوزراء هو حق ترشيح محافظ البنك المركزي على أن يصادق عليه مجلس النواب .لا احد من العراقيين سواء كان مواطنا أو مسؤولا يمكن له أن ينكر تقشي ظاهرة الفساد الإداري بأعلى مستوياتها في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها والبنك المركزي طبعا ليس استثناء من هذه الظاهرة التي وصمت للأسف مرحلة ما بعد الاستبداد بأسوأ عاهة يمكن أن توصم بها مؤسسات أي دولة في العالم على الإطلاق .فلا غرابة أن يكون هناك فساد إداري قد رافق عمليات بيع العملة أو رافق أي نشاط من نشاطات البنك اليومية ، لا بل من الغرابة ألا يكون هناك فساد في مزادات لبيع النقد هذا الاسم الذي تتضاءل أمامه نقوس ورؤوس كبار المفسدين . ولكن فساد موظف أو مجموعة موظفين في دائرة لا يفترض تورط رئيسها في هذا الفساد وإذا كان وجود فساد في دائرة يفترض فساد رئيسها فهذا يعني تورط كل رؤساء مؤسسات الدولة على الإطلاق ، بدون استثناء وعلى القضاء إصدار مذكرات قبض بحقهم جميعا ابتداء من رئيس الجمهورية وانتهاء بجباة أجور الماء والكهرباء ، لأنه لا أظن هناك مؤسسة من مؤسسات الدولة بما فها الرئاسات الثلاث خالية من الفساد الإداري . من هنا فان إصدار مذكرة قبض بحق محافظ البنك المركزي على خلفية وجود شبهة فساد في دائرته قبل التحقيق مع أي موظف أدنى منه وقبل إصدار أمر باستقدامه أمر يثير الاستغراب حقا . حيث كان بإمكان القاضي الذي اصدر أمر القبض أن يصدر أمر استقدام لمحافظ البنك أو نائبه ليستفهم منه حول شبهات الفساد الموجودة في دائرته ويستمع منه مباشرة لإجاباته وإيضاحاته حول ملابسات القضية المعروضة أمامه وبعدها يقرر الخطوة التالية التي يقتضيها سير التحقيق وسلامته . وعليه فان إصدار أمر قبض بحق الشبيبي وهو بدرجة وزير بهذه السرعة وقبل التعمق في التحقيق وقبل استقدامه ، يثير العديد من التساؤلات رغم ما لدينا من ثقة بقضاتنا وقضائنا بوجه عام مع بعض التحفظات .ومع ذلك فان إحالة القضية إلى هيئة تحقيق تتألف من ثلاثة قضاة ومدعي عام تعتبر خطوة صحيحة باتجاه توفير ما يضمن سلامة التحقيق في قضية ذات أهمية كبرى تتعلق بأهم مؤسسة نقدية في العراق . وأنا أدعو الشبيبي إلى الحضور أمام الهيئة التحقيقية وتوضيح موقفه معززا بالوثائق وتمييز قرار القاضي الذي اصدر مذكرة القبض أمام محكمة الجنايات المختصة . وهذا هو الطريق السليم الذي انصح باللجوء إليه وارى انه الطريق الأمثل .أما ما يتعلق بإقالة او سحب يد الشبيبي من منصبه فلا يوجد له أي سند دستوري او قانوني على الإطلاق فإذا كان قرار مجلس الوزراء هو إقالة الشبيبي فان الإقالة ليس من اختصاص مجلس الوزراء وإنما هي دستوريا من صلاحية مجلس النواب حصرا بنص الدستور المادة 61 الفقرة ثامنا البند ه ( لمجلس النواب حق استجواب مسؤولي الهيئات المستقلة وفقا للإجراءات المتعلقة بالوزراء وله إعفائهم بالأغلبية المطلقة ) . وعليه فان اقالة الشبيبي من قبل مجلس الوزراء مخالفة دستورية صريحة وان القرار يعتبر قرار معدوم وكأنه لم يكن لأنه صادر من جهة غير مختصة تجاوزت بإصداره حدود اختصاصاتها .أما إذا كان القرار هو سحب اليد كما صرح السيد علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء فان قرار سحب اليد لم يتطرق إليه الدستور مطلقا لكونه إجراء انضباطي نص عليه قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم14 لسنة 1991 في الفصل الخامس منه في المواد من 16 الى 19وهذا القانون هو قانون انضباطي يطبقه الوزراء على منتسبيهم من الموظفين ممن هم بدرجة أدنى من الوزير أي يشمل ممن هم بدرجة وكيل وزير نزولا ولا يشمل الوزراء لان القانون أوكل إليهم معاقبة منتسبيهم وليس من المعقول ان يوكل القانون لوزير بان يعاقب نفسه . وعليه فان سحب يد الشبيبي مخالف للدستور لكون سحب اليد لا ينصرف إلى من هم بدرجة وزير فإذا كان هذا القانون لا يخول رئس مجلس الوزراء معاقبة وزرائه فكيف يخوله معاقبة رؤساء الهيئات المستقلة ؟ نعم لم يخول القانون رئيس مجلس الوزراء معاقبة وزرائه وإنما له فقط إقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة وهذا الحق لا ينصرف إلى مسؤولي الهيئات المستقلة وخاصة البنك المركزي لأنه غير مسؤول أمام مجلس الوزراء وإنما أمام مجلس النواب بنص المادة 103ثانيا من الدستور(يكون البنك المركزي مسؤولا أمام مجلس النواب..)من هنا فلا توجد أي علاقة تبعية بين مجلس الوزراء والبنك المركزي بموجب الدستور وقانون البنك وعليه لا يحق لمجلس الوزراء التدخل مطلقا لا في إقالة رئيسه ولا في سحب يده . وعليه فان قرار إقالة الشبيبي أو قرار سحب يده هما قراران مخالفان للدستور ولقانون البنك المركزي صراحة وأدعو الشبيبي إلى إقامة دعوى أمام المحكمة الاتحادية للحكم بعدم دستورية القرار وإلغائه لكونه صادر من جهة غير مختصة بإصداره .
https://telegram.me/buratha