بقلم : محمد أبو النواعير ....
لم تكن نظرية العدو الوهمي نظرية حديثة في الظاهرة السياسية , بل نتلمس لها وجودا منذ البواكير الأولى لنشوء الدولة في تأريخ الفكر السياسي عند البشر . وتعتمد هذه النظرية في قيامها على مبدأ تعلق الإنسان تعلقا طبيعيا بفكرة المجتمع الكلي , وتعلق المواطن بمفهوم الأمة , ومفهوم القيم القومية أو الدينية , والتي هي بالنتيجة تعبر عن عواطف جماعية ومصالح عامة . وقد كان إستعمال فكرة العدو الوهمي ناجحة جدا في عملية التمويه التي كانت الدول تمارسها على شعوبها , لضمان إستمرار أقلية في السيطرة على مقاليد الحكم . فكل جماعة تميل الى رص صفوفها وتقليل نزاعاتها الداخلية , إذا كان هناك تهديد أو خطر او عدوان . لذا تعمد الكثير من الدول الى التلويح بخطر العدو , أو تلجأ أحيانا الى إختراع عدو مزعوم كيفما إتفق , فتارة يكون هذا العدو داخليا , وفي الحالات الأكثر روجا يكون هذا العدو خارجيا .في الفكر السياسي المعاصر ظهر تطبيق هذه النظرية جليا في فترة ما سمي بالحرب الباردة التي قامت بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي السابق منذ مطلع الخمسينات بعد الحرب العالمية الثانية . فكانت أمريكا تستغل فكرة خطر غزو المد الشيوعي الى داخل الولايات المتحدة , وكانت تصور هذا المد الشيوعي بأكثر الصفات سلبية , وكانت بهذا الفعل تضمن توحد الجمهور الشعبي الأمريكي حول أديولوجيتها الديمقراطية الليبرالية , حتى ربحت الولايات المتحدة الأمريكية دعاية إعلامية هائلة , وبدت كأنها سيدة العالم . الدول العربية بدورها تأثرت بهذه الحرب الباردة , كل دولة بحسب تبعيتها ومرجعيتها لأحد المحورين , أو كل دولة وظرفها الذي تريد منه الإبقاء على مقاليد الحكم فيه . السعودية كبلد عرف عنه أنه بلد بسيط ومتخلف في ثقافة أبنائه , وأنه تابع مخلص للمحور الأمريكي , ومحكوم من قبل عائلة تبنت مفهوم الملك العضوض , تتبعت في تلك الفترة صناعة العدو الوهمي في الخمسينات من القرن العشرين بحسب المقاييس الأمريكية , فإتخذت من المد الشيوعي ذريعة تصفي من خلالها خصومها الداخليين ...فترة التطور الثقافي والديني والآديولوجي المتطرف التي تمر بها المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر , جعلها تتخوف من ظهور أي قوة في المنطقة , وخاصة إذا كانت هذه القوة مخالفة لها في العقيدة المذهبية . وجاءت بعدها سخونة الأحداث في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في المملكة , إضافة الى وقوع الحكومة السعودية تحت فخ ممارسة القمع الوحشي والتعذيب والتصفية الجسدية ضد كل من يطالب بحقوقه السياسية أو الطبيعية في تلك المناطق , كل ذلك جعلها تظهر بمظهر الدولة الدكتاتورية الهمجية الوحشية , أمام العالم بشكل عام , وأمام أبنائها بشكل خاص .عاد الحنين برجال الفكر والسياسة في المملكة السعودية الى فكرة صناعة العدو الوهمي , العدو الذي سيكون خطرا ماحقا للوجود البشري في السعوديه . في ما قبل عام 2003 , كانت الحكومة السعودية تخوف أبنائها بالبعبع الصدامي , والمملكة السعودية بحقيقتها الواقعية وعلى الرغم من المليارات التي أنفقتها في سبيل تحسين وضعها الثقافي والعلمي , لازالت تعاني من ضعف في حظورها الإقليمي والدولي , إلا اللهم ما نسب إلى حكامها من دعمهم للإرهاب والإرهابيين في عدد من الدول , ومنها العراق .إيران أصبحت سلعة مستهلكة , إستولت عليها الولايات المتحدة الأمريكية كعدو وهمي قبل السعودية , الحكومة السعودية في موقف محرج ... فمن سيكون المرشح ليكون العدو الوهمي المستقبلي؟ , لكي توحد أبنائها في الداخل , وتستدرجهم لعداء آديولوجي ومذهبي لا يعلم أمتداده إلا الله . ما يحيط بالسعودية من دول عبارة عن حكومات جديدة ضعيفة متنازعة متهاوية لا تصلح أن تقوم بالدور ... البحث عن العدو الوهمي يتطلب شخصية فرد وليس دولة , شخصية يتنبأ لها الخبراء الإستراتيجيون مستقبلا باهرا , على الصعيد الإقليمي , وعلى الصعيد الدولي . فكان الإختيار السعودي هو من نصيب قائد أحد أكبر الأحزاب السياسية الوطنية في العراق , وهو السيد عمار الحكيم . إختيار الماكنة الإعلامية السعودية لهذا الشخص لم يكن إختيارا إعتباطيا , فهو ينحدر من عائلة برعت في حمل رسالة الدين والسياسة , إضافة الى ما تميزت به العقلية السياسية لهذا الشاب , وتحركاته الدبلوماسية السياسية داخليا وخارجيا , وتحركاته الشعبية التي خلقت له تأييدا وحبا جماهيرا عبر الحدود العراقية . إضافة الى براعته المنقطعة النظير في إحباط كل المحاولات الخارجية والداخلية التي كانت تروم تهديم العملية السياسية الفتية في العراق , أو إرجاع الحرب الطائفية مرة أخرى . كل هذه المؤشرات خلقت منه صورة القائد المنقذ الذي سيغزو بفكره وممارسته الأخلاقية السياسية المتنورة كل الأسس والقواعد الدكتاتورية الإستبدادية التي قامت عليها مقاليد الحكم في المملكة .. نعم .. لم يكن إختيار السيد عمار الحكيم من قبل الماكنة الإعلامية السعودية إختيارا عشوائيا , بل هو إختيار مدروس , يراد منه فتح جبهات متعددة ضد الحكيم , تشغله عن مشروعه الذي يروم به بناء الدولة العصرية العادلة , ويتخوف منه أن يكون كخميني آخر في المنطقة , حيث يتخوف منه تصدير نموذج الدولة العصرية العادلة الذي يمثل مشروعه الحقيقي , وأن يكون هذا النموذج هو المنافس السياسي لمتقليدي زمام الحكم الثيوقراطي في المملكة . لا أعتقد أن هذه الخطوة ستأتي أكلها في المملكة , فما يصدر عن الحكيم من أقوال ومواقف وتحركات , تدل دلالة واضحة لالبس فيها على أنه يمثل أحد رسل السلام في السياسة المعاصرة , يشهد له بهذا الأمر القاصي والداني .. نعم قد تأخذ هذه الزوبعة فترة تخدير مؤقتة في الذهن الشعبي السعودي , ولكنها ستضمحل سريعا , لأنها قائمة على أساس العداء من طرف واحد ... وهو طرف الماكنة الإعلامية السعودية , ومن ورائها الحكومة .......... والله أعلم ..
محمد أبو النواعير - العراق - النجف الأشرف .
https://telegram.me/buratha