ثمة نقاط سبقتنا شعوب كثيرة أليها ويتعين الوقوف عندها وتبين جدواها في صناعة مستقبلنا؛ أول هذه النقاط أن الدولة الحديثة يحكمها الــنـظــام ولـيس الأفراد، وأن قيادة الأمة تحتاج الى أدوات كثيرة، من بينها المسؤولية التي تحمل عصا!...لكن عصا المسؤولية لا يمكن أن تتحول الى عصى مستبد، بل هي عصا تصون الحرية بمعناها الأوسع لا بمعناها المخصص، وثالثها هي هل أننا مجتمع متحضر؟ ..فإذا كنا كذلك؛ فإن المجتمع المتحضر لا يحتاج فيه المواطنين الى أن ينظمهم أحد في كثير من المواقف بالعِــصيّ، وهكذا دخلنا في متاهة العصي!...مرة نريد عصا تصون الحرية، ونريدها أن "تعمل" الى حد لا تتحول فيه الى عصا مستبد، ومرة نقول نحن شعب متحضر لا يحتاج في المواقف أن ينظم بالعصي..!
هذا الطرح الذي كما قلت يشبه اللغز هو ليس كذلك لمن يتمعن فيه..، فعصى المسؤولية كما يتخيلها الكثيرين يجب أن تكون غليظة، وهو تخيل يتضمن كثيراً من الإهانة للمواطن، وهنا مكمن الخطأ.! فالعيش في بلادنا ليس كما هو في المدينة الفاضلة، حيث يعرف كل مواطن ما له وما عليه، وحيث تترك فيه البيوت مفتوحة ليل نهار، وحيث السيارات أمام البيوت مفتوحة أيضاً لا تحتاج لحراسة.
العيش في بلادنا كما هو في غيره من البلاد، ولا توجد البتة بلاد ليست فيها شبكات إجرام تلعب بالأمن، بل زد أن بلادنا لها وضع خاص فيما يتعلق بالأمن والفساد السياسي والإداري، وحيث وجدنا أنفسنا في وضع سياسي غاب فيه الوضوح الى حد كبير، وأسدلت ستائر سميكة على أفعال الساسة فغابت الشفافية بشكل يكاد يكون مطلق..والسبب غياب العصا الغليظة، إنها العصا الغليظة التي يحتاج إليها كبار المسؤولين فضلا عن صـغـارهم. لا ليستعملوها بل لتستعمل معهم..!
فالمسؤول الغير الأمين سيكون بالتأكيد مفتقرا إلى وعي المواطنة والشعور السليم بالمسؤولية، تجاه ما مناط به من مسؤولية عندما تغيب العصا.
ولذا تسمع من هذا المواطن أو ذاك أن الأمن كان أكثر إستقرارا قبل 2003 عنه الآن بكثير، وتسمعها أيضا من مثقفين، بل أن كتابا وصحفيين يتداولونها في كتاباتهم، والحق أن الإرث الثقيل الذي نتحمله هو: أن الحرية (التي تنبثق عنها المسؤولية) لم تكـن يومـاً عــنصراً حاضراً في ثقافتنا، بل كانت ولا تزال هناك العصا الـغـلـيظة بكل أشكالها هي الحاضرة. لوكانت الحرية منذ البداية تشكل العنصر المركزي في تربيتنا، ما تخوفنا اليوم من غياب الإســتـبـداد، الذي لا نرى في غيره الأمـن والأمـان و به نحتمي. إذ تم ربط الأمـن بالإستبداد حيث لا يمكن فصل الواحد عن الآخــر.
كلام قبل السلام: إلى أي مدى يُـعـد هذا التصور صحــيّـاً ومعقـــولاً؟ ذا هو السؤال الذي لا يستطيع أحد الأجابة عليه، مالم نربي مجتمعنا على العيش بلا عصا، وتلك هي المعظلة...
سلام.....
https://telegram.me/buratha