بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
تشير الدراسات الى تراجع قيم الوفاء والنزاهة والكفاءة في مجتمعنا رغم انتشار الفكر الديني الذي يعتبر المدافع الاقوى عن هذه القيم..
وان هذه الامور تراجعت -ولو بنسب- على صعيد التربية والمدرسة والبيت والعشيرة والعمل وفي المعاملات اليومية والاجتماعية، دون استثناء المؤسسات الدينية والتربوية والحزبية والمدنية. لاشك ان للتدهور تفاسير.. اهمها المعاناة، لاسيما خلال الحروب الداخلية والخارجية والمقاطعة والحصار التي جعلت الشعب وقوداً لمحارق النظم السابقة ولنظام دولي غير عادل.
ولاشك ان النظم الامنية والاستخباراتية، والوشاية، واحتلال المواقع عبر التلون والتملق قد رسخ هذه السلوكيات.. والتي دخلت النفوس كمرتكزات اساسية للعيش والبقاء.. وانزرعت في مكونات الشخصية وتعابيرها. ولاريب ان النظام الاحادي للفرد والحزب والفكر والاستبداد والسجون والتعذيب والقتل سترسخ ذلك كله. فالامر يبدأ خوفاً ومصلحة، ثم يتحول الى غسيل قيم، ومنظومات سلوك متكاملة.. ليبدو الشاذ طبيعياً، والطبيعي شاذاً. وعندما تتراجع التقوى والفضيلة لمستويات خطيرة،...
فان احداث التاريخ بمفردها لا تفسر الظاهرة. صحيح ان السلوكيات تأخذ استقلالية لنفسها عن عوامل ولادتها.. لكننا يجب ان نشهد تراجع الظاهرة بتراجع تلك العوامل.. مما يشير لوجود حاضنة كبيرة تديمها وتنميها، وهي الدولة المستلِبة لمساحات متزايدة من حقوق المجتمع. فارزاق الناس وامنهم وتعليمهم وصحتهم ورفاههم ومستقبلهم واملاكهم وحقوقهم وحرياتهم وقضائهم تهيمن عليه الدولة بطرق مباشرة وغير مباشرة.. واخلاق الدولة، عندما تحتكر كل شيء، تختلف عن الاخلاق التي تنميها الامة والمجتمع.. وهما اساس الحقوق والتمثيليات والدوافع والاهداف.. فالاجتماع هو الذي حمى (تاريخياً) العفة والنزاهة والاخلاص، بينما افسدت دول الجور والظلم بمجونها وغدرها اخلاق الناس. فالدولة المحتكرة دوائر محدودة.. ووظائف برواتب.. ومواقع مفصولة مصالحها -كقاعدة- عن مصالح الناس.. قانونها الموضوعي التسلط والتصارع رغم الوحدة.. والطرد والتفرد والتخويف. خلاف المجتمع الذي ادواته التنافس، والتكامل رغم الاختلاف، والترغيب والاقناع والكسب.. والذي يتسع للجميع وينفتح على المبادرات والمشاريع والمؤسسات، حيث للجمهور ليس قرار الحكم على كفاءتها وصدقيتها ورصانتها فقط، بل يمتلك -وبسرعة مذهلة- امكانية غربلتها وتبويبها ايضاً. فالمجتمع المتعافي الماسك للدولة، مهيء بقانونه الموضوعي (ان استثمر) بناء مفاهيم الصدق والكفاءة والنزاهة، في اوساط الشعب والدولة.. والاخيرة ان استمرت على تغولها واحتكارها فستغري (الا من حصنه ربي) على الغش والغدر والفساد وعدم الأهلية، في الدولة والمجتمع.
https://telegram.me/buratha