حافظ آل بشارة
هاجس الانتخابات المقبلة يتفاعل مبكرا في جميع الاوساط بسبب الاحباط ، انتخابات بدون احصاء سكاني ، وبدون قانون للأحزاب ، وبدون حسم للمناطق المتنازع عليها ، سجل الانتخابات سيضم مئات الكيانات واغلبها مجرد اسماء ، حتى الاحزاب في هذا البلد هي ليست احزابا وانما تجمعات اما عشائرية او عائلية او برجوازية او ارتزاقية تابعة لقوى خارجية ، الاحزاب في اي بلد هي انعكاس لموقف الشعب وثقافته ورؤيته ، حين يصل التنظيم الاجتماعي الى مستوى متقدم يبدأ الاهتمام الجماعي بشؤون الحاكمية والسلطة والعدل ونظام الحقوق كموضوعات ثقافة عامة ، اما المجتمع الذي عاش القمع والتمييز والفقر والتشريد والامية فهو يفتقر الى تجربة المسؤولية السياسية والمشاركة والعمل الجماعي الذي يسفر عن الاصطفاف الحر المتنوع سياسيا ومطلبيا ، حاليا الشعب العراقي يعيش مرحلة الانكفاء وعدم الوثوق بأغلب القوى الموجودة بسبب تلكؤ التجربة الحالية ، أمراض الأحزاب تغذي أمراض الدولة ، المشاكل نفسها : الفساد ، المحسوبية ، طلب المواقع ، هيمنة مجموعات فوق القانون ، فقدان التنظيم ، اغلب قيادات الاحزاب تفتقر للحرية وهي بين سوطين سوط الضغط الاقليمي ، وسوط الطوق الانتهازي الذي يحيط بها من الداخل ، والطوق الداخلي هو الأقسى فكلما حاول الرئيس ان يتصرف بمسؤولية ضغطت عليه الحاشية المستفيدة بخليطها الانتهازي ممن لا يدركون سوى مصالحهم ، يرسمون من حوله عالما افتراضيا ، عالما من الاكاذيب والاوهام والتخيلات وخداع البصر والبصيرة ، فيكون الرئيس بينهم مرؤوسا مستضعفا مخدوعا كصاحب (سندال) الذي كان يختار كبار القوم فيدبر لهم مقالب مضحكة ، ذات يوم قام سندال باخفاء فرس شيخ العشيرة وربط في مكانها ثورا كبيرا ، واتفق مع اهل البيوت القريبة ، فخرج الشيخ فشاهد الثور وحين سأل عن فرسه أشار سندال الى الثور قائلا له بتعجب مصطنع : هذه هي فرسك يمحفوظ ، واكد له جميع الناس بأن هذه فرسه فلم يستطع الشيخ ان يكذب جميع الناس ويصدق نفسه فاقتنع ان مايراه هي فرسه فامتطى الثور فجفل به ورماه ارضا ليكون في وضع غير لائق . كثير من رؤساء الأحزاب اصبحوا يرون الثور فرسا بفعل خداع وتزويق الطوق الانتهازي المحيط بهم ، في كل تجمع سياسي يوجد مئة سندال يطوقون الرئيس فيرسمون صورة وردية لما يجري ، ويزينون له الفشل والتراجع ، ويمارسون الوشاية والاختلاق ، تتحول الوشايات والاكاذيب الى قرارات قيادية !. هناك قيادات تأريخية دمرتها الحواشي الانتهازية ، وارهقها عدو داخلي بثوب صديق ، اصبحت عاجزة عن اتخاذ القرار الصائب لشعورها بالخذلان الذي يتحول من الشعور الى اللاشعور . بوجود هذا الطوق يسقط الحزب في مستنقع الفساد ويعجز عن بلورة تجربة سياسية او ثقافية او تنموية ناجحة لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، في مثل هذا الوسط ينشأ مجتمع جهنمي صغير لا يمكن لبشر سوي ان يتعايش معه ، مدرسة للانحطاط القيمي بكل اشكاله. وعندما تنعدم القيم لدى الأحزاب التي تسمى عادة بمدرسة القيم فهذا يعني انها تشكل خطرا مستقبليا على بلدها وليست منقذا له ، كل الذي يحدث هو افراز طبيعي لحياة سياسية بدائية فجة ، يصبح الزمن صفرا ، وعندما تنتهي الانتخابات المزورة وغير المزورة تنتقل الاحزاب من التنظير الى الحكم ، ويبدأ ترحيل المفاسد من الاحزاب الى الدولة ، الذين لا يفهمون هذا المسار التطوري يعجبون من قوة الفساد وانتشاره ومستوى تنظيمه وهم قد لا يعلمون انه مولود حزبي نشأ وترعرع في اروقتها الخانقة الموبوءة ثم انتقل الى اروقة الدولة ليبدأ العمل . عندما تجري الأمور بهذا الاتجاه المرعب يبدأ الشعب بالترحم على ارواح المستبدين القدامى .
https://telegram.me/buratha