احمد نعيم الطائي
مع استمرار التناحر والتنافر والتناطح بين الكتل السياسية وغياب الموقف الوطني الموحد ازاء التحديات التي تحيق بالعراقيين ، نرى ان القتل الذي يستهدفنا تجاوز الطرق التقليدية من حيث التنفيذ والترصد ، مثل الاعمال الارهابية ، وبعيداً عن هذا العدو الذي بات ملاحقاً ومنبوذاً من كل طوائف المجتمع بل الانسانية جمعاء ، نتحدث اليوم عن عدو يمارس القتل بشكل علني يلاحق العراقيين المساكين ويفتك بارواحهم بعد ان ينتف جيوبهم ، هذا العدو نجري وراءه مجبرين غير مخيرين بهدف ايقاف آلم او لانقاذ حياة مريض ، انها دكاكين الموت او كما تسمى في السابق " الصيدليات".
أن القتل الذي تسببه هذه الدكاكين يفوق في كثير من الاحيان اعداد الضحايا التي تخلفها الاعمال الارهابية بحق العراقيين ، كحالات الموت المفاجئ او البطيء نتيجة الدواء الخطأ الذي يصفه أصحاب تلك الدكاكين لضحاياهم ، ناهيك عن انها تستغل المرضى وذويهم أسوء استغلال يفتقر الى ابسط مشاعر الرحمة ، في ظل غياب التسعيرة المعقولة التي يفترض على الدولة ان تتدخل في فرضها باعتبار ان الدواء مادة اساسية يجب ان يكون مدعوم اسوة بالحصة التموينية لانه لايقل اهميته عن الغذاء.ان رحلة العناء في البحث عن الدواء يشترك في معظمها الاطباء الذين لايكتفون بالاجور العالية التي يفرضونها على المرضى بل يلاحقونهم الى دكاكين الموت والابتزاز من خلال التنسيق مع اصحاب تلك الدكاكين او مع المختبرات والسونار وبقية "محال الصور الشعاعية لاسيما في منطقة الحارثية" حيث مكاتب الاطباء الجزارون وعصابات تلك الدكاكين ، فالدواء اصبح عندهم كبقية السلع الكهربائية اوالكمالية فيها الدرجة اولى والثانية والرديئة ، فلكل مريض دواءه بحسب امكانيته المادية فالغني يمكنه شراء الدواء الفعال والفقير يقتني الدواء غير الفعال ، علما ان بعض هذه الادوية التي تباع منتهية الصلاحية.
أما الفوارق في أسعار فواتير الدواء فهي تدعو للغرابة والألم ، فمثلاً يجبرك الطبيب إن تقتني الفاتورة التي يصفها للمريض من صيدلية معينة وبشرط ان يعود بحجة التأكد من نوعية الدواء والحقيقة هي ان يضمن الطبيب شراء الدواء من الجهة التي ارسل المريض اليها وبالتالي يضمن حصته من هذا "اللف والدوران" ، والكثير من تلك الفواتير تكلف المرضى مبالغ كبيرة وهي تختلف من دكان الى دكان اختلافا كبيرا ، فعلى سبيل الذكر لا الحصر ان فاتورة دواء ثمنها من منطقة الحارثية 160 الف دينار بينما نفس الوصفة ونفس منشأ الدواء تم شراءها من منطقة اخرى ب45 الف دينار ، وغيرها الكثير من حالات الاستغلال والابتزاز للمرضى.
المشكلة لاتتوقف عند هذا الحد من الخطورة بل تتعداها الى ابعد من ذلك بكثير حيث يعمل عدد كبير في هذه الدكاكين اناس بعيدين كل البعد عن مهنة الصيدلة بل اميين جرتهم الصدفة للعمل في احدى هذه الدكاكين فتعلم اسماء الادوية وعلاجاتها دون تقدير خطورة الادوية على المرضى ، او اصحاب رؤوس الاموال الذين جذبتهم وسالت لعابهم الارباح الخيالية الطائلة لتلك التجارة القذرة ، او الموظفين الصحيين الذين وجدوا في هذه المهنة اسهل الطرق في تصريف ما يسرقونه من ادوية ومواد مختبرية من المستشفيات الحكومية ، لذلك نلامس ونسمع يومياً عن حالات وفيات عديدة بسبب اعطاء اصحاب تلك الدكاكين لادوية دون معرفة نتائجها على صحة المريض .
ان اصحاب تلك الدكاكين يشكلون مجاميع خطرة على حياة الفرد العراقي ، فتعاملهم مع نوعيات رديئة من الادوية ومن مناشئ غير معروفة او مجهولة وباسعار خيالية تضطر معظم المرضى العزوف عن شراءها فضلاً عن ترويجهم للمنتهية صلاحياتها ، كما يسهم الاستيراد غير الخاضع للرقابة والذي يعود بارباح كبيرة لاصحاب المذاخرالمستفيدين في اول القائمة من حالة الفوضى وغياب الرقابة المشددة على استيراد تلك السموم تحت علم ودراية الدوائر الصحية والرقابية .
هذه المافيات التي تمكنت من بناء امبراطوريات من المال الحرام تسهم وبشكل واضح في تشجيع مافيات الموظفين الصحيين العاملين في المستشفيات ومخازن الادوية الحكومية المتخصصين بسرقة الادوية لاسيما ادوية الامراض السرطانية او المزمنة او النادرة التي يتم بيعها الى تلك الدكاكين التي تقوم ببيعها للمرضى المساكين بمبالغ خيالية ، فيضطر الكثير من المرضى العزوف عن شراءها فيواجهون الموت مضطرين.
ان صيانة حياة الفرد هي الغاية التي تحتل المرتبة الاولى في جداول وبرامج الحكومات او المرشحين للوصول الى سدة الحكم في كل دول العالم ، لكن من المؤسف مازالت حياة العراقي رخيصة تهتك في جوانب عديدة على مسمع ومرأى المسؤولين دون ان نلمس تشريعات او اجراءات رادعة استثنائية صارمة لصون حياتنا من تلك المافيات التي تتاجر بارواحنا وما اكثرها ، ونتسأل هل من مجيب ام نبقى نردد قول الشاعر " اسمعت لو ناديت حياً..فلاحياة لما تنادي".
https://telegram.me/buratha