حافظ آل بشارة
معركة الطف بدأت وانتهت في نهار واحد ، لكنها اسست نهجاحضاريا ركع له التأريخ عبر القرون ، انه الاعجاز في التعبير المختصر عن تجربة حضارية كاملة ، ففي معركة الطف كمشهد حي صور سريعة اسست لمناهج ، بطل المعركة هو امام معصوم وخليفة من خلفاء الله في الارض وقوله وفعله وتقريره تشريع ، فكل ماجرى في الطف تشريع وتأسيس ودعوة اقتداء ، اهم تلك الدروس : 1- ان الامام الحسين (ع) أخبر جميع الصحابة وجميع المسلمين بأنه ذاهب الى كربلاء فلم يترك عذرا لمعتذر وخطب في مكة قبل انصرافه فوضع الامة امام امتحانها . 2- لم يرغم احدا على القتال معه وبرأ ذمتهم وقال لهم : هذا الليل فاتخذوه جملا . 3- قدم نفسه واخوانه وابناءه وبني عمومته قبل انصاره للقتال الانفرادي الا ان انصاره من غير بني هاشم اعترضوا فتقدموا للقتال واستشهدوا بين يديه تباعا . 4- شهدت المعركة حالة تحول وتوبة فريدة من نوعها عندما قرر القائد الأموي الحر بن يزيد الرياحي الانتقال الى معسكر الحسين معلنا اختيار الجنة على النار في لحظة نادرة من يقظة الضمير . 5- معسكر الحسين (ع) على صغره كانت فيه تعددية نادرة ففيه مسلمون من مدرسة الخلافة ومسلمون من مدرسة الامامة ومسيحيون وفيه عرب وزنوج واعاجم وفيه سادة القوم وعبيدهم . 6- كانت للمرأة مشاركة مهمة في المعركة ابتداء من العقيلة زينب (ع) الى نساء البيت النبوي ونساء الانصار . 7- كان للاطفال دور في المعركة منهم من قاتل حتى استشهد ومنهم المقتول وهو رضيع ومنهم المروع التائه في الصحراء بعد المعركة . 8- اصحاب الامام الحسين (ع) كلهم يعلمون بأنهم مقتولون عن آخرهم وهم سبعون رجلا يواجهون معسكرا تعداده 30 الف مقاتل لكنهم يصرون على المواجهة ، حالة نادرة من الشجاعة ورباطة الجأش . يقابل هذه الحالات من الارتقاء والتكامل الاخلاقي منظومة الانحطاط البشري لدى العدو المقابل وهو يعبر عن أدنى ما يمكن ان يصل اليه الانسان من السقوط والانحراف والوحشية والدناءة والجبن والجهل المركب ، وقد تصرفوا مع امامهم وابن نبيهم بطريقة تنافي حتى اعراف العرب قبل الاسلام ، فهم 1- استخدموا الاسلام غطاء واتخذوا يزيد المنافق ابن الطلقاء شارب الخمر خليفة شرعيا . 2- انسياق الأمة باغلبيتها الساحقة مع سلطة الردة الأموية بعد خمسين سنة فقط من رحيل نبي هذه الأمة وخذلان القيادة الربانية الحقيقية فدفعوا الثمن غاليا . 3- قتلوا واسروا وسبوا أسرة نبيهم وعترته واهل بيته الذين كانوا يعيشون معه في منزل واحد ! 4- بعضهم جمع بين الخيانة والعدوان خاصة اؤلئك الذين دعوا الامام (ع) للمجيء الى كربلاء ثم قاتلوه . 5- اغلبهم قاتل اماما ووصي نبي طلبا للجائزة ، المال او المنصب . 6- استخدموا اللقطاء وابناء العاهرات المعروفات في القتال والاعتداء على النساء وحرق الخيام والتمثيل بجسد الامام (ع) واهل بيته واصحابه الشهداء . 7- منعوا عدوهم الماء وهو من خساسة طباع الجبناء ومما ينافي شيمة العربي . 8- اسروا النساء وضربوهن بالسياط وروعوا الاطفال ونكلوا بالنساء الاسيرات بوضع رؤوس رجالهن امامهن ومنعوهن من البكاء او الكلام . 9- احرقوا الخيام على النساء والاطفال بعد مقتل الرجال . تصرفات يخجل منها اي انسان ، وقد اجمع المؤرخون على ان الاباطرة الوثنيين من الروم والفرس والفراعنة والبابليين كانوا اكثر مروءة واخلاقا وفروسية من بني أمية في الحرب ، فقد كان اؤلئك الاباطرة يترفعون عن الاعتداء على النساء والاطفال والجرحى والاسرى . وكان العرب في الجاهلية اصحاب مروءة ، يروى ان ابا جهل وهو من وجهاء العرب عندما فشل في العثور على النبي في الغار عاد الى بيت ابي بكر فسأل ابنته اسماء عنه فلم تجبه فلطمها على وجهها وانصرف ، لكنه بعد لحظات وقع على اقدام خادم كان يرافقه يقبلهما ويرجوه ان لا يخبر احدا بأنه لطم امرأة حفاظا على سمعته ! كم كان ابو جهل صاحب قيم ومروءة بالمقارنة مع يزيد وجنده ، هذه دروس خالدة ، حاليا في هذه اللحظة التأريخية المكررة اذا اردتم ان تعرفوا من هم ورثة الحسين (ع) ومن هم ورثة يزيد فانظروا الى المعركة القائمة الآن بين التكفيريين واتباع مدرسة الحسين(ع) فان التأريخ يعيد نفسه في الوجوه والاقوال والافعال ، التأريخ هو المعلم الأكبر .
https://telegram.me/buratha