بقلم: نائب رئيس الجمهورية المستقيل عادل عبد المهدي
في عملية الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، كانت الطائرات الاسرائيلية تلاحق الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.. كنت اقف في شرفة الشقة التي اسكنها.. وانظر امامي وارى عن بعد عمارة مرتفعة.. التفت قليلاً، ثم سمعت صوتاً اشبه بالكوابح الهوائية للشاحنات الكبيرة (بششش)، واعدت النظر الى الامام. لم اع اولاً ما حدث.. ثم ادركت ان العمارة البعيدة الشامخة بكاملها قد غابت عن الانظار..
لم يكن هناك دوي انفجار بل تصاعداً للغبار.. وكانت هذه هي المرة الاولى التي اسمع فيها بالقنبلة الفراغية او الهوائية.. وملخصها ان القنبلة تفرغ هدفها من الهواء او الاوكسجين.. فيقوم الضغط الخارجي بعمله في الانقضاض على الجسم المستهدف ليحيله الى تراب منثور.
ونظرية الفراغ في السياسة لا تختلف اطلاقاً عن ذلك.. فعندما يحصل فراغ سياسي في الرؤى والنظريات.. وفراغ قيادي لحملة المشروع، فان كافة عوامل الضغط الخارجي ستجتاح بسرعة مساحات الفراغ وتملأها بشتى النظريات والسياسات المدمرة.. كما ستجتاح مراكز القيادة تيارات وعناصر تحرف المسارات عن اتجاهاتها الصحيحة.
وفي التجربة العراقية كنا، وما زلنا، نرى ان الوعاء النظري للمرحلة الجديدة هو المبادىء الاساسية التي ثبتها الدستور لبناء دولة معاصرة ديمقراطية دستورية برلمانية اتحادية جديدة.. وكنا، وما زلنا، نرى ان القوى الرئيسية الفائزة في الانتخابات تمثل القيادة الطبيعية المنتخبة للبلاد. لكننا -ولعوامل عديدة- اخذنا بالمناورة والالتفاف على الدستور الى ان افرغناه تماماً من دوره ومعانيه. وبدل بناء جبهة صلبة، او تحالفات وطنية كبرى، لها برنامج واضح يواجه الارهاب والتخريب ويقود البلاد الى شاطىء السلام ويعالج المشكلات الاساسية التي تواجهنا.. ليتجاوز الموروثات السلبية والكارثية الماضية ويبدأ بتوفير الخدمات للمواطنين، تآمرنا على انفسنا عبر المحاصصة، والتصارع على المواقع، فتولد لدينا، شئنا ام ابينا، وبنوايا مخلصة او مبيتة، فراغ سياسي وقيادي كشف البلاد تماماً لشتى الازمات والتيارات الضارة التي تعصف به.. فلا تخرج من ازمة الا لتقع باكبر منها.
يتساءلون ما الحل؟ انه واضح -رغم مراكمتنا للصعوبات بوجهه- ويتمثل بمعالجة الفراغ، والتحصن ضد القنابل الهوائية، والعودة للمضامين الدستورية والتعاقدية.. والانتخابات النزيهة والعادلة، ليختار الشعب قياداته.. وبناء جبهة من القوى المؤمنة بالدستور وبرامج الاصلاح، والقادرة على قيادة البلاد الى بر السلام والامان والخدمات.
https://telegram.me/buratha