جاسم الموسوي.
في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي تخرّجت من كلية الإدارة والإقتصاد جامعة البصرة ولم تكن ساعات التخرّج ساعات فرحٍ قد إنتظرها الطالب أربع سنوات بل صاحبها قلق وتخوف لما سوف يعقبها من مصير محتوم ، حيث لم تكن آنذاك مساحةً متاحةً للمتخرج يمارس فيها إختصاصه سوى ساحة العرضات والبدلة العسكرية التي تنتظره على أبواب الجامعة ، ليلتحق بصفوف الجيش الذي ينقله شمالا وجنوبا ومن معركة الى معركة ، وهذا هو مصير كل المتخرجين ، وقد أنجانا الله من تلك المحرقة ،لنقع في سجون النظام وظلم أمنه واستخباراته ، وبعد إحتلال الكويت وإخفاق الانتفاضة الشعبية قذفت بنا قسوة النظام خارج وطننا والحمد لله على ذلك ، من مخيمات اللجوء الأسلامية حصلت على اللجوء الأنساني في الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي هذا البلد الذي يحترم الأنسان ويقدّس العلم أستطعت أن أواصل دراستي الجامعية ، وبصعوبة ومشقّة تمكّنت من معادلة شهادتي الجامعية ثم المواصلة بأكمال دراستي وحصلت على شهادة الماجستير وبتقدير ممتاز ، لم يفارقني حلمي الذي عاش معي منذ أن تخرّجت من جامعتي في البصرة ، وهو حلم طبيعي في حسابات الشعوب الآخرى لكنه متعسّر في وطني ، هو أن أكسر قاعدة النظام السابق وأرتدي بدلة العمل بدل بدلة الجيش التي صادرت منى سنوات شبابي وحرمتني من ممارسة أختصاصي في مجال عملي لأرى نفسي إنساناً نافعاً من خلال تحقيق ماتعبت من أجله ، وما أن سقط النظام عام2003 حتى بدأت دعوات الأهل والأصدقاء تضغط عليّ وتحثّني على العودة وأنا أؤجل وأنتظر تأسيس الدولة وإقامة نظامها الوزاري الجديد ،حتى قبل ثلاث سنوات وبعد أن سمعت وقرأت الدعوات المتكررة من قبل المسؤولين العراقيين لعودة أصحاب الكفاءات العلمية المختلفة الى بلدهم وستتوفر لهم كل التسهيلات وإعطائهم الفرصة لممارسة إختصاصاتهم ، أغوتني تلك الدعوات وحاولت أن أخوض هذه التجربة وقررت العودة الى بلدي وأن أخدم في مجال إختصاصي لأنفع ابناء بلدي كطلاب او جامعة من خلال تجربتي وممارستي التي إكتسبتها لعلي أضيف شيئا ولو يسيرا للمسيرة العلمية في عراقنا الجديد . سارعت للشروع بلملمة أوراقي وبدأت اتصل وأسال ألأصدقاء والمعارف الذين لديهم خبرة في هذا المجال عن البداية، قالوا لي عليك أولا أن تعادل شهادة الماجستير من الملحق الثقافي في واشنطن ،وقد فعلت وصادق عليها القنصل الثقافي بعد ان تأكد من الجامعة التي تخرجت منها ،حملت أوراقي وسافرت الى البصرة مدينتي ومنها الى بغداد الى وزارة التعليم العالي فأشاروا عليّ أن اراجع قسم معادلة الشهادات وادارة الاعمال فأسرعت إليهم ، في هذا القسم طلبوا مني الوثائق التالية شهادة السادس الأبتدائي وشهادة الإعدادية والشهادة الجامعية العراقية وهذه كانت معي لم أُفاجأ بالأمر وجلبت لهم مايريدون ، وبعد أن أكتملت أوراقي لم يجدوا فيها مايمنع تعييني أو على الأقل إعطائي موعداً بالتعيين ، لكنهم حاولوا ان يجدوا لي سبباً ، يمنعني من إتمام إجراءات معاملتي ، فافتعلوا لي سبباً غريباً ، بعد أن أطمئنوا أني لم أنتمِ الى حزب وليس معي واسطة إضافة الى ذلك كنت حليق اللحية والشارب ، فأخبروني بأن تصديق القنصل الثقافي في واشنطن غير كافٍ ولانعترف به أصلا وهذا أمرٌ مضحك لأن القنصل جزء من الوزارة، ومالذي يكفي إذاً قالوا يجب أن تأتينا بكتاب من الجامعة الأمريكية، يكلمونني وكأن الجامعة تبعد عنهم أمتار وليس آلاف الكيلومترات ! عدتُ أدراجي الى حيث كنت وذهبت الى الجامعة الأمريكية مكرها وطلبت منهم ماطلبوا مني في بغداد العاصمة فسخروا من هذا الطلب،لأنهم قد أجابوا ممثل وزارة التعليم العالي القنصل الثقافي في واشنطن بكتاب رسمي قد أيدوا فيه تخرجي من جامعتهم ، ونظام الجامعة يتطلب مخاطبتهم بكتاب رسمي من الجهة التي تريد التأكد من صحة شهادة الطالب وهذا الامر قد جرى واجابوا عليه القنصلية الثقافية العراقية ،والآن لازالت الخطابات مستمرّة بيني وبين وزارة التعليم العالي ولاادري مالذي يريدونه تحديدا بعد إن أقتنعوا برد الجامعة وإعتراضي وصدقوا ختم قنصلهم ، أخبروني قبل إسبوعين بأن المعاملة غير موجودة وعليك القدوم الى بغداد لتقدم اوراقا جديدة ! أنا أود أن أسأل السيد الوزير والمفتش العام في الوزارة هل هذه إجراءات تشجع العراقيين أصحاب الشهادات العليا على العودة الى بلدهم؟ إذا كان تقديم الأوراق والمصادقة عليها من قبل الوزارة كلفنا ثلاث سنوات والحبل على الجرار ! فمابالك بالتعيين ؟ هذه إشارات وإجراءات غير مشجعة لأبناء العراق بالعودة الى وطنهم ، وكثير منهم قد أرتبط بإلتزامات عملٍ في بلدان المهجر ، وليس من السهل عليهم أن يغامروا بمصدر رزقهم وتضييع الوقت بإجراءاتٍ روتينية لاتخدم الطرفين ، كل مانرجوه أن تكون هناك تسهيلات أستثنائية للكفاءات العراقية وتوفير لهم الوضع المناسب الذي يضمن لهم كرامتهم وسلامتهم، لأنني ومن خلال المعوقات التي وضعت في طريقي فهمت الأجابة المبطنة ...أن أرجع من حيث أتيت ولارغبة عندهم بأستقبال أي شخض قادم من خارج العراق..كثير من الأخوة تعرّضوا الى ماتعرضت له وحقيقة هذه مأساة بالنسبة لنا جميعاً فمن حقنا ان نخدم وطننا ومن حق وطننا علينا ان نشارك ببناءه ولكن ..لاسبيل لنا ..أنا أختصرت الكثير من التفاصيل في قصتي هذه وتجنبت ذكر الأسماء وبعض الأمور التي لاتليق بسمعة وزارة علمية ينتظر منها الأجيال العطاء والتقدم .أسأل الله تعالى أن تدخل القناعة في نفوس العاملين في هذه الوزارة ويفكوا أسر المعاملات ويهتدوا الى خدمة العراق....
https://telegram.me/buratha