* بقلم - جميل ظاهري
القرار الدولي بمنح فلسطين صفة دولة مراقباً في منظمة الامم المتحدة عبر عملية تصويت تاريخية بأغلبية كبيرة لم تشهدها الجمعية العامة للامم المتحدة طيلة العقود الست الماضية، يعتبر حدثاً تاريخياً هاماً في مسار العلاقات الدولية الظالمة القائمة على أساس مصالح ومنافع القوى السلطوية الكبرى وضمان أمن الكيان الصهيوني الغاصب.ًوقد حصلت دولة فلسطين غير العضو على تأييد غالبية أصوات الدول الأعضاء في المنظمة الدولية، أي 138 من أصل 188 دولة مشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما رفضته تسع دول كانت في مقدمتها الشيطان الأكبر أميركا وربيبتها "اسرائيل" ومن يدور في فلكهما، فيما امتنعت 41 دولة ممن تنصاع الى القرار الأميركي الظالم ورغبة اللوبي الصهيوني عن التصويت لصالح الشعب الفلسطيني المظلوم لنيل أبسط حقوقه طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والذي بقي معطلاًً طيلة ستة عقود.وقد شوهد تأثير اللوبي الصهيوني والسياسة الأميركية المخادعة على القرار الاوروبي الذي يتشدق بحياديته واستقلاليته بكل وضوح حيث شهدنا انقسام قرار دول الاتحاد الأوروبي خلال الجمعية العامة على رغم إن وزيرة خارجية الاتحاد "كاثرين اشتون" كانت قد اعلنت مسبقاً دعمها للخطوة، مما دفع الى تصويت البعض لصالح فلسطين فيما عارض وأمتنع البعض الآخر عن ذلك.ومن بين الدول الأوروبية التي صوتت لمصلحة الدولة الفلسطينية هي السويد وسويسرا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والنمسا والنرويج، فيما امتنعت كل من بريطانيا والمانيا، وهولندا، وهنغاريا وبلغاريا. ومن بين الدول الممتنعة خارج الدول الأوروبية كوريا الجنوبية، وباراغواي، وأستراليا.أما الدول السبع التي عارضت الى جانب الشيطان الأكبر اميركا والكيان الصهيوني الطلب الفلسطيني هي دول تفتقد للسيادة الوطنية واستقلالية القرار ولا تزال تخضع لاحتلال أجنبي أو انها مجهولة على الخارطة العالمية وهي كل من تشيكيا، وكندا، وبنما، وجزر المارشال، وناورو (جزيرة قرب ميكروميزيا)، وبالاو (جزيرة بين الفلبين واليابان)، وميكرونيزيا (مجموعة جزر في النصف الجنوبي من المحيط الهادي بين دول الفلبين وإندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وميلانيسيا وبولنيسيا) مما يدلل كل الدلالة على أن المجتمع الدولي أتخذ قراره هذه المرة بعيداً عن السطوة والسلطة الاحادية الجانب والمتداولة في العلاقات الدولية حتى الآن ومن أن الفيتو الاميركي لم يعد ينفع من كان يلتف من حوله بعد الآن بعد أن رأوا القدرة والقوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية ولمسوا عن كثب إرادة شعب مقهور قرر أخذ كل ما سرقه العدو منه بالعنف والاحتلال والاجرام كونه لا يفهم سوى لغة القوة .وقد سعى رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" من خلال ما أطلقه خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالعودة الى طاولة المفاوضات التساومية والاستسلامية مع العدو الصهيوني المحتل ومهرولاً نحو إنقاذ ما أسماه خلال خطابه ب"حل الدولتين" واعداً باحياء المفاوضات مع "اسرائيل" المتوقفة منذ اكثر من عامين ، للتضليل على حقيقة من أن ما حصلت عليه فلسطين اليوم هو جاء يفعل صمود وقوة وصواريخ المقاومة الفلسطينية الشريفة التي لم ولن تركن لطاولات الحوار التساومي الاستسلامي المزيف ولم ولن تنزع سلاحها حتى تحرير كل شبر من تراب فلسطين المقدس والتي لم يتمكن العدو المحتل من الصمود أمامها أكثر من ثمانية ايام هذه المرة حيث علا صراخه في الوسط العالمي لاستغاثته من ضربات المقاومة الصاروخية التي باغتته ومنذ اليوم الرابع من عدوانه ليسرع ويهرول نحو الحلفاء الغربيين والعملاء العرب لانقاذه من سلاح المقاومة الجديد.ولابد من معرفة أسباب إصرار السلطة الفلسطينية على مشروع "حل الدولتين" الذي طرحته منظمة الأمم المتحدة عام 1947 بقرار رقم 181 بعد ما أوصى به الاستعمار البريطاني الذي كان يحتل فلسطين آنذاك كحل لانهاء الانتداب والذي قسم فلسطين الى ثلاثة دويلات صغيرة "دولة فلسطينية واخرى يهودية وثالثة مستقلة تخضع لادارة أممية" حيث منح ذلك التقسيم نسبة 55 % للعرب وما يتبقى لليهود، وتبقى القدس منطقة دولية غير تابعة لأحد معين، والذي واجه برفض شديد من قبل الشعب الفلسطيني ومقاومته وكل الشعوب العربية آنذاك ، فيما لا تزال السلطة الفلسطينية ومنذ تأسيسها عام 199 تتفاوض على قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة (اللذين يشكلان معاً ما نسبته 22% من مساحة فلسطين التاريخية) فيما يحتل الكيان الصهيوني الغاصب ما نسبته 78% من أرض فلسطين التاريخية، وليس حتى على ما جاء به القرار 181 الدولي ؟.ولقد تجاهل "أبو مازن" شأنه شأن بعض القادة الفلسطينيين والعرب الذين سبقوه المادة ال-19 من الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية في تموز/يوليو 1968 والذي يقول: أن "تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير." كما تجاهلوا جميعاً من أن هذا العدو الغاصب القائم على الاحتلال والأجرام والقتل والدمار لا يفهم سوى لغة القوة والعنف وهي التي كنا نؤكد عليها منذ أكثر من ستة عقود أي منذ احتلال فلسطين عام 1948 وحتى يومنا هذا لكن الأنظمة العربية العميلة والرجعية كانت ولا تزال تصر على طاولة التفاوض التساومي التنازلي مما دفع بكل فلسطين والكثير من الأراضي العربية الاخرى على طبق من ذهب الى العدو الغاشم الذي لا يتورع عن ارتكاب أبشع وأفظع أنواع الجرائم والوحشية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم والأعزل بمجازره التي كتبها التأريخ بخط أحمر من الدم الفلسطيني المراق من "سوق حيفا" عام 1937 وحتى الحرب على غزة تشرين الثاني 2012 مروراً بمجزرة دير ياسين والقدس ويافا وقرى سعسع والحسينية والرملة وناصر الدين وأبو شوشه ومدن جنين وصفد وغزة ومجدل واللد والخليل وكل شبر من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.لقد أطلق رئيس السلطة الفلسطينية أهازيج الفرح لتسجيل النصر الفلسطيني باسمه بعد أن أتهمه شعبه وكل شعوب العالم الحرة بالخيانة والتأمر على إرادة الشعب الفلسطيني عندما ألتف على ما خرجت اليه الانتخابات الحرة والتي أقرت فوز المقاومة المسلحة على التساوم والركون لرغبات العدو وهو ما أزعجه وأزعج السلطات الصهيونية المحتلة والادارة الأميركية الداعمة لهما ودفعته نحو الاقتتال الفلسطيني الذي طال الكثير من الشرفاء المقاومين جراء خيانة قوات أمن وشرطة السلطة الفلسطينية وكبار قادتها من المهندس "عياش" وحتى "الجعبري" والذي سوف لن يكون الأخير في مسلسل الخيانة الفلسطينية - العربية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.هذا الانتصار الدبلوماسي للشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم يأتي بعد 65 سنة من خطة احتلال فلسطين وبعد 24 عاماً من الاعلان الرسمي للمجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عن قيام الدولة الفلسطينية ، وهو ما ينبئ بانتصارات جديدة للكفاح البطولي المسلح الذي يقوم به الشعب الفلسطيني من اجل استعادة حقوقه المشروعة المغتصبة مما يدفع بالفصائل الفلسطينية الى العمل بإخلاص وبإصرار من اجل المصالحة وتوحيد الصفوف لتغليب الطموحات التاريخية والحق المشروع للشعب الفلسطيني الباسل في تقرير مصيره والاستقلال عبر المقاومة المجاهدة التي أثبتت للعدو قبل الصديق قدراتها على إعادة الحق الفلسطيني المغتصب وتحرير كامل التراب من البحر وحتى النهر دون التفريط حتى بشبر واحد من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة واجبار العدو المغتصب على العودة الى الدول التي جاء منها محتلاً لقبلة المسلمين الأولى.هذا النصر الفلسطيني الجديد والذي جاء مباشرة بعد أيام قلائل من أنتصار المقاومة الفلسطينية عسكرياً وميدانياً على العدو الصهيوني المحتل خلال حرب الثماني أيام على غزة بفضل قوتها الصاروخية التي دخلت ساحة المعركة المصيرية لأول مرة لترد على العدوان الصهيوني المتواصل بقبضة من حديد ، أثبت للبعيد قبل القريب عجز السياسة الاميركية وعجز اللجنة الرباعية التي طرحت خارطة الطريق وحل الدولتين الى تحقيق ما يسمونه ب"السلام" بين الشعب الفلسطيني وقطعان المستوطنين الذي قدموا الى فلسطين من آلاف الكيلومترات من قلب أوروبا ليعيثوا في الشرق الأوسط فساداً ويستبيحوا النفس المحرمة دون خجل أو أستحياء وذلك بفضل صمت أبناء عمومتهم من القادة العرب في المنطقة وخارجها.ورغم أن السلطة الفلسطينية تعزي تأخرها في طلب العضوية للامم المتحدة الى تعرض الضفة الغربية لاكثر من اجتياح وتدمير كل مؤسساتها عام 82 أعقبه اجتياح غزة ثم الحرب عليها (حرب ال22 يوماً) عام 2009 وتكرر العدوان قبل أيام، الى جانب الاوضاع العربية المتردية والاوضاع السائدة في المنطقة والتي حالت دون التفكير والتوجه الى الامم المتحدة خاصة وان الامم المتحدة بدأ يهيمن عليها بالكامل القرار الدولي من جانب الولايات المتحدة ، إلا أن الحقيقة تختلف كل الاختلاف عن الواقع على أرض الصراع العربي - الاسرائيلي القائم منذ 65 عاماً والذي يؤكد عدم استعداد السلطة ومن يدعمها عربياً وفلسطينياً من قبل في السعي للحصول على هذا النصر السياسي كون أن الركون والركوع لرغبات املاءات راعي البقر الأميركي والسيادة الاسرائيلية كان ولا يزال ديدنهم الأول والأخير وهو ما جاء مراراً وتكراراً على لسان رئيس السلطة الفلسطينية الحالية والكثير من القادة العرب عندما اعترفوا ودون خجل أو أستحياء في القاهرة مؤخراً بأنهم "نعاج" لا يمكنهم ممارسة الضغط أو معاكسة رغبات الذئب "الاسرائيلي".وقد كشف القيادي في حركة فتح "عزام الاحمد" عن ذلك عندما قال: أن الوضع العربي مؤسف ومزري جداً وأنهم كانوا مترددين خلال الاشهر الاخيرة ولم يشاركوا في التحرك باتجاه دول العالم باتجاه مساندة وتأييد المسعى الفلسطيني.ان منح فلسطين صفة عضو مراقب برهن عدم مشروعية الكيان الصهيوني المحتل ومن أنه لابد للشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة في تقرير المصير واستعادة سيادته على كافة أراضيه المحتلة وعودة كافة الفلسطينيين المشردين واللاجئين الى أراضيهم واستمرار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الغاصب، وأن هذا الانجاز الفلسطيني الذي تحقق بالأمم المتحدة هو ثمرة لانتصار المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني في حربيه على غزة . وأن عهد الصهیونیة قد أوشك علی الزوال واقتربت ساعة الصفر لانهيار هذا الكيان اللقيط والمستقبل یعود للشعب الفلسطیني الصامد .فلا "كامب ديفيد"، ولا"أوسلو"، ولا "وارشو"، ولا "غزة - أريحا"، ولا "وادي عربة"، ولا"طابا"، ولا "واي ريفر -1"، ولا "الرباعية"، ولا "السداسية"، ولا "المشروع العربي" التساومي الذي أطلقه الملك السعودي "عبد الله" في قمة لبنان ولا أي من الاتفاقيات ال 194 التي وقعتها الانظمة العربية العميلة أو الاطراف الفلسطينية الخيانية مع العدو الاسرائيلي، لم ولن تأتي حتى بثمرة صغيرة للشعب الفلسطيني وإنما زادت الطين بلة وجاءت بالحقد والكراهية والاجرام والحرب والقتل والدمار الاسرائيلي واستباحة أكثر للدم الفلسطيني هنا وهناك وتوسيع المستوطنات وتهويد القدس والمدن الفلسطينية وتهديم المساجد والكنائس وحصار غزة وتجويع شعبها .وعلى السلطة الفلسطينية وكل الساسة الفلسطينيين الذين كانوا ولا زالوا يهرولون من وراء الحلول الاستسلامية أن يعوا جيداً من أن هذا الاعتراف الذي يحمل امتيازات جديدة للفلسطينين يجب ان يكون دون مقابل ودون الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال الصهيوني يعني عليهم بعدم التفكير بحل "الدولتين" أبداً لأن ذلك سيكون خطوة سلبية على الشعب الفلسطيني وبامتياز، وأن لا يخضعوه لمصالحهم بل لكسبه نحو توحيد الصف الفلسطيني على برنامج نضالي واحد في مواجهة الكيان الصهيوني الذي يواصل سياسته الاجرامية تجاه الشعب الفلسطيني وتهويد القدس وتوسيع الاستيطان، حتى تحقیق الأماني فی تحریر الارض والمعتقلین وعودة اللاجئین وتقریر المصیر واقامة الدولة الفلسطینیة ذات السیادة الکاملة وعاصمتها القدس الشريفة.وهناك ضرورة ملحة لأن يقف الجميع تريثاً لما جاء في نص مشروع القرار الأممي هذا برفع مستوى تمثيل السلطة الفلسطينية اى "دولة غير عضو" أو "دولة مراقب" والذي يؤكد على التزام السلطة الفلسطينية "بحل الدولتين" الذي يقضي بإقامة "دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام الى جوار إسرائيل"!!.كما يشير القرار الى الحاجة الملحة لاستئناف المفاوضات وتسريعها بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي ، مشيراً الى أنه في حال الموافقة عليه فان القرار "سيمنح فلسطين صفة دولة مراقب في منظمة الأمم المتحدة، التي تضم 193 دولة، دون المساس بالحقوق والمزايا المكتسبة ودور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلا للشعب الفلسطيني"!!.وهذا ما يطرح سؤالاً كبيراً أكبر من حجم القرار وهو كيف سيستفيد القادة والساسة الفلسطينيين من هذا القرار أو أي قرار دولي سيحصل عليه الشعب الفلسطيني مستقبلاً ؟ وما هو الثمن الذي عليه أن يدفعه مقابل ذلك خاصة إذا ما وضع المقاومة جنباً والتزم وأحتضن طاولة التساوم كما حدث في الماضي عندما استحصلوا على قرار من محكمة العدل الدولية بخصوص جدار الفصل العنصري... فأين ذلك القرار اليوم؟ وهل استفادوا من يدعون عقلاء القوم منهم أم ذهب في أدراج النسيان؟ وهل سيتكرر المشهد ذاته مع القرار الأخير ولا تتم الاستفادة منه مقابل انشغال الساسة والقادة بالتهليل والتطبيل لمكسب شكلي؟ أم ستوضع آليات في اطار المشروع بعيداً عن الاشكالية الأساس التي تُغيّب أي إنجاز قد يخدم القضية الفلسطينية وهي غياب المشروع الوطني الفلسطيني بالالتفاف حول المقاومة وسلاحها الشريف في كسب المزيد من الانجازات؟.
https://telegram.me/buratha