منذ عام 1963 والعراق يعاني من تفرد الحزب بالدولة والمجتمع.. فالفرد يتفرد بالحزب، ليتحكم بدوره بالدولة ومصادر القوة والمال.. وليفتح طريق التفرد بالمجتمع.. وليصبح الولاء للحزب وللفرد دليل الولاء للوطن والبلاد. ولعل حنين البعض للنظامين الملكي والقاسمي، على ما فيهما من سلبيات ومظالم وتمايزات، يفسره بقاء الدولة والمجتمع اكثر انفتاحاً واس
تقبالاً للمواطنين منه لفئة حزبية محددة.بعد اربعة عقود، بدا ان كل شيء سيسقط لمصلحة تجربة ديمقراطية دستورية تموضع الدولة والاحزاب والمجتمع والشعب كل في مساحاته.. لكن امور عديدة حصلت، ذاتية وموضوعية، منعت هذا التطور المتفائل.. فانحرفنا نحو المحاصصة.. لتتقاسم مجموعة احزاب السلطات ولتمد يدها لتتفرد بالمجتمع. مما اوجد فجوة تزداد اتساعاً بين الاحزاب والجماهير.. واثار صراعاً لا رحمة فيه ليس بين الاحزاب وفي داخل الكتل فقط، بل بين المكونات ايضاً.. فلعبة التفرد كلعبة القمار.. فامام كل رابح خاسرون ومفلسون.. والرابح اليوم خاسر غداً.. مما وضع البلاد على كف عفريت.. وجعل التسقيط والازمات والتعطيل، وبالتالي تأخر الخدمات واستمرار الارهاب والقتل اليومي وزيادة الاحقاد، ممارسات يتحمل المواطنون والوطن نتائجها المدمرة المتراكمة.ليس معنى ذلك ان ليس للحزبي حقوق في الدولة والمجتمع، الا ما منعه الدستور كالقضاء وبعض الهيئات والمواقع.. بل معناه ان لا يكون للحزبي اولوية وامتياز.. فيتنافس كما يتنافس الاخرون. فمساحات الاحزاب الاساسية هي البرلمان والحكومة وما تتطلبه من نشاطات جماهيرية واجتماعية.. لكن الانحراف يبداً بتمدد الاحزاب لتسيطر على المواقع العليا والدنيا للدولة والجيش والشرطة والقضاء والهيئات المستقلة.. لتتمدد بعد ذلك على حقوق المواطنين والمجتمع في وارداتهم النفطية وعقاراتهم وممتلكاتهم وفرص عملهم وشركاتهم ومعاملاتهم ومناقصاتهم وفرصهم الدراسية، وتمتعهم بقضاء عادل وامن متساو.. فتزداد الفجوة بين السلطة والاحزاب من جهة، وجمهور المواطنين من جهة اخرى.. وتبرز مظاهر الفساد والمحاباة والمظالم.. يقابلها الرغبة بالمزيد من السيطرة.. لتزيح الاحزاب بعضها بعضاً.. وتتساقط الرؤوس لمصلحة رأس واحد.. والذي سيسقط بدوره.. فنقترب من النظم الاستبدادية ومآلاتها.. والانقسامات الاهلية ومخاطرها وحروبها.الدولة والمجتمع يبنيان على عقد ودستور وليس بالمغامرات والمقامرات.. ففي العقد ترسم الحدود والمسؤوليات ليخرج الجميع بحقوقه رابحاً. ومقاصد الدولة والمجتمع الاحتواء والضم، وليس التعسف والابعاد والتسقيط. وواجب الاحزاب تصفية عقل المعارضة.. وتكييف فهمها وسلوكها مع عقل الدولة والمجتمع.عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha