بقلم /ضياء رحيم
الفساد هو عبارة عن إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص، وهو في اللغة من فسد بمعنى اضمحل وبطل. لا يمكن القول بأن آفة الفساد حديثة عهد على المجمع العراقي ، بل على العكس فهي كانت موجودة حتى في أيام النظام السابق ، لكننا نراها الأنا صبحت مستشرية في اغلب مفاصل الدولة وأصبحت لها مافيا وأذرع تقوم بالدفاع عنها بكل الطرق التي تراها ، وكان من بين الأسباب الفتي أدت إلى استشراء هذه الظاهرة هو المحاصة الطائفية إضافة إلى انهيار مؤسسات الدولة بعد سقوط النظام السابق وتشكيل مؤسسات بديلة عنها كانت أغلب عناصرها تفتقر للمهنية في عملها المر الذي أدى إلى استفحال الفساد ، وهنا لابد لنا أن لا ننسى غياب الرادع القانوني والمتمثل بعدم تعليق المادة (136 الفقرة ب) من قانون أحكام الأصول الجزائية ذي الرقم 33 لسنة 1971 والتي نصت(( فيما عدا المخالفات المعاقب عليها بموجب قانون المرور العام رقم 48 لسنة 1971 المعدل والبيانات الصادرة بموجبه لا يجوز إحالة المتهم إلى المحاكمة في جريمة ارتكبت أثناء تأديته وظيفته الرسمية أو بسببها إلا بإذن من الوزير التابع له مع مراعاة ما تنص عليه القوانين الأخرى)) ،ومن الجدير بالذكر بأن سلطة الائتلاف المؤقتة كانت قد علقت العمل بالنص المذكور بموجب الفقرة (5) من القسم (4) من المذكرة (3) لسنة 2003 ، لكن مجلس وزراء الحكومة المؤقتة أعاد العمل بهذه المادة بموجب الأمر المرقم (14) لسنة 2005 استنادا لصلاحياته التشريعية حيث ألغى الفقرة (5) المشار إليها أعلاه.
لقد برزت صورتين للفساد الإداري والمالي بشكل يلفت الانتباه في العراق وهما:الصورة الأولى : أخذ مبالغ من الراغبين بالتعيين في الوظائف العامة لقاء تعيينهم ، وهو خلل متأتي من تعدد الجهات التي لها سلطة التعيين( الوزير والمدير العام)
الصورة الثانية: لجان المشتريات في دوائر الدولة وهي من أسوأ صور إهدار المال العام، مع ملاحظة ان القواعد والتعليمات المعمول بها حاليا في تشكيل لجان المشتريات ولجان اعتدال الأسعار وبقية مسميات اللجان لا يمكن من خلالها غلق مداخل ومخارج الفساد الموجود.إن الكل يتحدث اليوم عن الفساد الإداري والمالي في القطاع العام ويطالبون بمعالجته،ويقوم المختصون بما لا يقبل الشك بأن ظاهرة الفساد مستشرية وخطيرة ولكن عندما يصلون بالأمر إلى معالجة الأمر نجد أن هؤلاء ليس لديهم الثقة في إجراءات المعالجة ،فمنهم من يدعو إلى إنشاء جهات رقابية لمكافحة الفساد كمفوضية النزاهة ومكتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية وهي جهات موجودة فعلا أنشأتها القوانين لمكافحة الفساد ،لكنها ليست الوحيدة المسئولة عن ذلك كونها مسؤولية الجميع (سلطات ومسئولين في الدولة) بدون استثناء لكن مع وجود فارق بينهما ألا وهو أن الأولى أقرها القانون أصلا لمكافحة الفساد ،في حين أن الثانية تمارس اختصاصات وصلاحيات حددها القانون بالإضافة إلى أنها تعمل لمحاربة الفساد من خلال موقعها الوظيفي.إن ظاهرة الفساد ليست مشكلة بدون حل ، فهناك عدة إجراءات يمكن من خلالها السيطرة على هذه الآفة والقضاء عليها تدريجيا، ويمكن إجمال هذه الإجراءات بالأتي:
أولا: العمل على تعليق المادة ( 136 الفقرة ب) الوارد ذكرها أعلاه
ثانيا: إعادة تشكيل مجلس الخدمة العام: وهو الجهة المختصة بتعيين الموظفين في جميع دوائر الدولة وعدم جعل التعيين من صلاحية الوزير أو المدير العام
ثالثا: تشكيل لجنة من القانونيين من قبل مجلس النواب لوضع آليات لعمل لجان المشتريات ووضع قانون يحكم عملها بما يؤمن سد جميع الثغرات التي ينفذ منها الفاسدون لسرقة المال العام على أن ينص القانون في فقرة منه على تشكيل لجنة لمراجعة سلامة التصرف بالمال العام من قبل لجان المشتريات في كل حالة شراء.
رابعا: العمل بمبدأ (( من أين لك هذا؟)) ، فمفوضية النزاهة العامة أصدرت اللائحة التنظيمية رقم (1) لسنة 2004 ألزمت فيها أهم موظفي الدولة بالكشف عن مصالحهم المالية ومصالح أزواجهم وأولادهم المعيلين لهم عند التعيين لأول مرة ومع ذلك فإذا ظهر تضخم في ثروة الموظف الحكومي لا يتناسب مع حجم دخله الطبيعي لا تستطيع أي جهة أن تطالبه بإثبات أنه كسب تلك الأموال بطريقة مشروعة لأن الأصل في القانون العراقي أن أموا الشخص جاءت بصورة مشروعة وعلى من يدَعي خلاف ذلك إثباته، في حين أننا نلاحظ أن المشرع المصري أوجب على الموظف الذي ظهر تضخم في ثروته لا تتناسب مع حجم دخله الطبيعي أن يثبت أنه كسبها بطريقة مشروعة وعندما يعجز عن ذلك سيعتبر أنه اكتسب تلك الأموال بطريق غير مشروع. وما ذكر أعلاه من اختصاص السلطة التشريعية.
نعود الى السلطة التنفيذية : فهناك إجراءات يمكن أن يقوم بها مجلس الوزراء لمكافحة الفساد منها:أولا: أن يقوم مجلس الوزراء بتشكيل المحكمة الإدارية والتي نص عليها أمر سلطة الائتلاف ذي الرقم (87) لسنة 2004 للنظر في اعتراضات مقدمي العطاءات على قرار الإدارة بإحالة المناقصة على غيرهم خلافا لأحكام القانون كونها ستراقب صحة إجراءات المناقصات والإحالات التي يمارسها الوزير عند إبرام العقود .
ثانيا: يقوم مجلس الوزراء بوضع تعليمات وأنظمة إدارية لتسهيل تنفيذ العقود من قبل وزارة التخطيط.إننا في كل ما تقدم فإننا ننشد عراقا خالي من الفساد والمفسدين.
https://telegram.me/buratha