لطيف عبد سالم العكيلي
الأيام سيان عندها ، خدمة ، عمل ، جهاد وشقاء ، حتى أعياد الله و عطل نهايات الأسبوع أزالها ما تخلف من أعراف ماتزال تهيمن على مجتمعها ، فأصبحت معانيها ومدلولاتها لا تعني لها شيئا ، ولا يمكنها إحداث فعل فاعل ومؤثر بما تبقى من مرافئ رحلة حياتها المليئة بأقذر والعن صور الإذلال والاستلاب المجتمعي . جيدها المعفر بغبار سنين عجاف لم يحظى يوما بملامسة قطعة ذهب أو فضة أو شبيههما مما شاع من مختلف أنواع الحلي التي تتزين بها بنات جلدتها ، وحتى ما رخص سعره مما تيسر من أنواع الحناء الذي يعد في متناول اليد ، لم يجد طريقا لأيديها وأقدامها التي صيرها نكد العيش أكثر خشونة من أسطح أيادي وأقدام عمال البناء الذين تضيق بهم اروقة وزوايا مساطر مدننا ، ولم يمنحها الزمان فرصة التمعن بجمال الخواتم مثلما تتباهى به كثير غيرها من النساء .امرأة لم يفكر يوما من يفترض أن يكون اقرب الناس أليها في ان يمنحها شحنة من دفئ الالفة أو جرعة من الود تسهم في تمكينها الكشف عن مكامن حقيقية وجودها الانساني ، بوصفها ملهمة الحب والنقاء والجمال ومحفزة للساكن من محركات العطاء والابداع والالق في مختلف مراحل التاريخ الإنساني ، ما جعلها تتروض على الاستسلام في كل ليلة إلى سطوة اعتى السلاطين وأكثرهم جبروتا من دون أن يطال الماء وما ينغي ان يتوفر في منزلها من ارخص انواع الصابون جسدها . والانكى من ذلك ان ان شقاء العمل اليومي المتأتي من السطوة الذكورية لا يحتمل منحها فرصة مناسبة لتغيير ثيابها قبل خلودها الى النوم .وحين تستيقظ مكرهة من سبات ليلها الذي لا يبدد سكونه شيء غير الأصوات والحركات المهينة لزوجها العائد في ساعات الفجر الأولى من جلسة سمره ، تكون دورة حياتها اليومية قد بدأت من جديد ، حيث تبدأ بتامين متطلبات أطفالها الذين يشبهون إلى حد بعيد كومة لحم تشاركها العيش ، لتنطلق بعدها إلى مناطق رمي وتجميع الأنقاض والنفايات ؛ بحثا عن رزق يومها في عالم فسيح بآفاقه بين أكوام القمامة ؛ لإعالة من حرمها من حنان الحبيب ودفء عواطف الخليل الذي سلبها إنسانيتها وأهدر كرامتها . كل هذا يحدث والزوج الذي اعتاد العيش من دون عمل يتفنن بتجميل مظهره الذكوري ويقضي بعضا من الوقت الذي لا قيمة له عنده منهمكا بترتيب وتلميع شواربه والتسبيح بمسبحته الثمينة وهو لا يفقه شيئا من حياته الأسرية التي لا يأبه بها ، ولا يفكر بما ستؤول أليه حالة أطفاله ، فهو أسير أنويته التي جعلته بعيدا عن فضاء أسرته وما تفرضه عليه هذه المهمة من متطلبات تستدعي وقفة انسانية صادقة . إذ لم يجد شيئا يستبدل فيه فراغه غير ارتياد المجالس الخاصة بالنزاعات العشائرية أو تجاذب أطراف أحاديث خاوية في المقاهي بعد أن ارتضى لنفسه اهانة من تجهد نفسها لإسعاده وهي تعاني من تداعيات آثــام مجتمع سحقها اجتماعيا وسياسيا ونفسيا .هذه الإنسانة البائسة قدر لها أن تعيش منهكة ما بين ساعات عمل مهين وشاق وأعباء منزل ثقيلة وسط عالم تحكمه أعراف وتقاليد محكومة بعقد ورواسب تمنح الزوج الضالع بلعب الدومينو أو النرد سطوة لا تلزمه بمسؤولياته الأسرية التي تستند على تعاليم ديننا الحنيف الذي يشدد على احترام العلاقة الزوجية وإكرام القوارير التي تزين الحياة بسحرها وتغذي القلوب بحنانها .في امان الله اغاتي .• المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب .
https://telegram.me/buratha