صالح المحنه
كم أوجع رؤوس العراقيين هذا النشيد وهذا الشعار المشؤوم ..( مرحبا يامعارك المصير)؟ وكم كلّفهم من دماء.؟ هذا النداء المقيت الذي أصبح آذانا وصلاة للبعثيين مذ أن تسلّطوا على حكم الشعب العراقي..، به يفتتح البث الأذاعي والتلفزيوني ...وبه يختم.وماكلَّت فرقة الأنشاد البعثي من ترديد الأناشيد التي تدعوا الى الحرب ...وقرع طبولها ليلا ونهارا ..وكلها حروب فاشلة خاسرة تركت العراق يعاني الى يومنا هذا..من آثارها ، مئات الآلاف من الشهداء ، خلّفوا ملايين الأرامل والأيتام ، كان حصاد سياسة البعث،ناهيك عن المشرّدين والمعوقين والمفقودين والمجانين ، ليس بلدٌ في العالم ينافس العراق في كثرة ضحاياه ، بلدٌ تفرّد في كثرة المقابر الجماعية ، وتميّز حكّامه ُبضرب ابناءه بالأسلحة الكيميائية ، وقد شاهد العالم بعد سقوط النظام عام 2003 كيف هرعت الأمهات تبحث عن أبناءها في ركام العظام والتراب ..؟ في مشهدٍ يُدمي القلوب ويقرح العيون ، ومن منّا لم يُفجع بأخٍ أو قريب أو صديق..،لاأعتقدُ أن تلك المشاهد وتلك المعانات والتضحيات الجسام يتناساه ذو عقلٍ لبيب وضميريتنّفس ،..لقد خرج الشعب العراقي بعد سقوط البعث من سجن كبير ، ليفتح اجفانه على مئات المقابر الجماعية التي تضم رفات شباب العراق ،والى يومنا هذا الكثير من الفاقدين لأبناءهم وذويهم يبحثون وينتظرون فتح مقابر جديدة علّهم يجدون رفات ذويهم ، تجرّع الشعب شتى أنواع المحن من قتل وسجن وجوع ، وصبر حتى رحل نظام الأجرام واستبشر خيراً ، وما أن بدأ بلملمة جراحه حتى تكالبت عليه قوى الشر الأجرامية ، من خارج حدوده ، لم يكتفوا بما قتلهم صدامهم وبمادمّر وأحرق من خيرات العراق ، فأطلقوا العنان لكلابهم المفخخة والمؤدلجة بفكرٍ دينيٍ أعتاد على الغدر والخيانة منذ أن توفى رسول الله (ص) ، وأستمرّت الدماء تسيل من ابناء هذا الشعب يومياً ، ليدفع ثمن انتماءه الى هذه الأمة البائسة ، وبثبات يستمر بتحديه للأرهاب الديني والبعثي ، وشارك في كل الانتخابات البرلمانية والمحلية وإقرار الدستور، تجرّع الصبر على سوء الخدمات وغيرها من الأمور التي تهم حياته اليومية ، على أمل أن يتفرّغ السياسيون من حل مشاكلهم والعودة الى ميدان العمل والمتابعة لخدمة المواطن ، وأعطائها الأولوية بعد أن أخذت الكثير من الوقت ،لم يقف الشعب متظاهرا ولامعتصما على سرقة أمواله أو تردي خدماته، بل اعطى كل الوقت للحكومة ان تعالج ملفاتها بشكل دستوري لايثير حفيظة الآخرين، تحمل الشعب السرقات والعقود الوهمية والكهرباء وغيرها ، طالما لايسمعون مرحبا يامعارك المصير...ويعيشون يومهم آمنين على ماقسم الله لهم ...ولكنا اليوم ومن خلال متابعتنا للأخبار المركزية والأقليمية ، نستمع لخطابات التعبئة والتهديد والوعيد ، ليس لحراسة الحدود العراقية التركية ؟ التي تدكّها المدفعية التركية بأستمرار في المناطق الكورد ية في شمال العراق وبشكل شبه يومي ؟ بل لأستعراض القوة وفرض السيطرة على الآخر، وكنا نتمنى أن نستمع لخطابات القادة العراقيين عربا وكوردا وهم يعدون جيشا موحدا لصد استهتار الأتراك وغيرهم ، لاللأستقواء على بعضهم البعض ، الشعب العراقي بكورده وعربه قد سئم الحرب وجزع مشهد الدماء ، فغالبية ضحايا النظام السابق هم من الأكراد والشيعة ، وهم أصحاب المقابر الجماعية ، فعلام التحشيد والتهديد ؟ فهل لازال دستوركم الذي خطته أناملكم على قيد الحياة ؟ فأن كان حياً فلماذا لاتعودون له وتجلسون تحت قبة برلمانكم الذي أدخلكم فيه شعبكم وأمّنكم على التصرف فيما يخدم مصالحه ؟ هل إنتهت كل مشاكل الأقليم إلا السيطرة على المناطق التي أطلق عليها مصطلح (المتنازع عليها) شحّت عليكم المفردات فلاتملكون إلا النزاع أين الحوار ؟ أم أكتملت البنية التحتية وتوفر الأمن والخدمات في الوسط والجنوب ؟ لاهذا ولاذاك ، فما أحوج الشمال وأهل الشمال للعيش الرغيد ، وما احوج اهل الوسط والجنوب لكل شيء ، بناء المدارس وتطوير التعليم والمستشفيات وحماية البلد من الأرهاب القادم من الخارج ، كل هذه الأولويات هي أهم من الأشتغال بالتحشيد وأجواء الحرب ، لذلك فلا نرجو من السيد البارزاني والسيد المالكي إلا أن يتذكروا تلك الأيام والشهور والسنين السوداء التي عاشها الشعب العراقي أبان حكم البعثيين ، فلكل يومٍ وشهرٍ وسنةٍ قصةٌ ومأساة ، والشواهد أكثر مما تُعد وتحصى...ليس الشجاع من يصنع الحرب..بل من يصنع السلام....
https://telegram.me/buratha