العلمانيَّة في منطقتنا الإسلاميةـ العربية تختلف عن سميتها في الغرب، فيستحيل هنا أن توصف بأنها مشروع نهضوي، كما أنها لم تكن يوما مشروعًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو فكريًّا أو ثقافيًّا، بل "هنا" هي "وسيلة" لمقاومة وإحباط المشروع الوطني الإسلامي بالأدوات العلمانية!
إن الفكر العالمي تسالم على أن المنطقة الأسلامية ـ العربية معبأة بإرث وثقافة هي أساس تكوين ووجود سكان هذه المنطقة، ولأنه لا يمكن تغريب النهضة عن الإرث، فأن هذا الإرث والثقافة هما ما يتعين الأستناد اليهما في بناء نهضة شعوبها، أو على الأقل لا يمكن إغفال تأثيرهما في صناعة المستقبل، ذلك لأن الإنسان ليس جمادًا ولا يخضع لقواعد المادة وحدها، بل تدخل في ذلك عوامل ثقافيَّة وتاريخيَّة ووجدانيَّة اقتصاديَّة أو اجتماعيَّة أو نهضويَّة.
وعلى هذا الفهم فإن من المسلم به هو أن بلدان المنطقة العربيَّة والإسلاميَّة وبدرجات مختلفة لن تنجح في إقامة مشروع للنهضة إلا على الأساس الإسلامي، وهكذا فإن أي مشروع للنهضة يتجاهل البعد الثقافي والحضاري والوجداني للإنسان سيفشل حتمًا، ولعلَّ ذلك كان السبب الأساس لفشل كل مشروعات النهضة على غير الأساس الإسلامي والتي تمت في مجتمعاتنا في المائة عام الأخيرة.
ولأن العلمانيين الكبار يعرفون هذه الحقيقة فإنهم تغاضوا ثقافيا وفكريا عن إجبار شعوب المنطقة بالقوة على تبني مشروعات غير إسلاميَّة، ومن ثَمَّ تحول هؤلاء المثقفون العلمانيون إلى أداة في يد العسكر والأنظمة الديكتاتوريَّة.
وصحيح أن المشروع الإسلامي مشروع واسع يحتمل اجتهاداتٍ متعددة داخل الإطار، ويقبل النقد والنقد الذاتي، فإن هذا لا يعني إمكانيَّة نجاح المشروع العلماني، لأنه أصلا ليس مشروعًا بل مجرد "وسيلة" للهيمنة وإستعباد الشعوب مجددا تحت عنوانها.
ومع أن آليات الديمقراطية التي صممتها العلمانية ومنها الإنتخابات بشكلها الراهن ليست من التراث الإسلامي، لكون الإسلام يمتلك وسائل لتحقيق العدالة الأسلامية أكثر تفوقا أداء ودقة وصرامة، وتعطي نتائج أفضل على صعيد الميدان لو طبقت مثلما تطبق اليوم في جمهورية إيران الإسلامية ، لكن ومع الأخذ بالحسبان نقص الأدوات العقائدية لدى باقي الشعوب الأسلامية، فإن الاتجاه الإسلامي في باقي المنطقة قد حسم أمره باتجاه احترام التعددية السياسيَّة والدينيَّة والثقافيَّة واحترام صندوق الانتخابات واحترام حرية التعبير والنشر وحرية العقيدة والفكر وحرية تشكيل الأحزاب وكل الحريات السياسيَّة والفكريَّة المعروفة.
كلام قبل السلام: إذا لم ترد إستنساخ تجارب الآخرين فلا ترتدي أحذيتهم..!
سلام..
https://telegram.me/buratha