صالح المحنه
الشعوب التي أنجاها الله مما ابتلانا به من ولاة أمرٍ لايَروْن َ إلا مايناسب مصالحهم الحزبية والشخصية ، تستيقظ تلك الشعوب كل صباحٍ لتطالع إنجازات حكوماتها وماهي أهم المشاريع والخطط التي أُعدت لمستقبلهم وحاضرهمْ ، وتتابع أمورها بعيداً عن مهاترات السياسيين وصراعاتهم ، فهذا هوحال كل الشعوب المتحضّرة التي منَّ الله عليها بالتحرر من عقدة الأحزاب والتطرف الديني ، إلا شعوب العالم الثالث المبتلية... ومنها شعبنا العراقي تحديدا..فقد عبثت فيه خلافات السياسيين وأفسدت علاقاته الأجتماعية ، ومزّقت تلك الوشائج الحميمية بين العشيرة الواحدة والعائلة الواحدة ، لقد لعبت الأنظمة المتعاقبة على حكم الشعب العراقي دوراً سلبياً في إفساد المجتمع وتمزيق وحدته وهدم منظومته الأخلاقية ، حتى بلغ الشك مبلغه بين المرأة وزوجها والأبن وأبيه ، وتفشّى القلق وعدم الثقة بين أفراد المجتمع الواحد ، ذلك الذي جرى في عهد النظام البعثي السابق.وكنّا نظن أن مجتمعنا سيتعافى من تلك الأمراض برحيل ذلك النظام الدموي وإستأصاله ،لأعتقادنا بأن وجودها كان مرتبطا بالخوف من بطشه وسلطته المتهورة ، وفي زوالها سيزول هذا المرض ، ولم يدر في خلدنا أبداً أن العدوى قد تسرّبت الى بعض السياسيين العراقيين الذين ورثوا ذلك النظام الفاسد وتصيبهم بنفس المرض لينتشر من جديد وبأسلوب مختلف. وهذه المرّة ليس بسبب الخوف من النظام وبطشه ، وإنما بسبب تعدد الولاءات الحزبية والدينية والقومية ، التي تمادت وتمددت على حساب الوطن والمواطنة ، حتى أفسدت منظومة العلاقات الأجتماعية ، وأعمت بصيرة الكثير من ابناء الشعب وحرمتهم من التفكير حد المنع بأوامر من السلطان الحزبي والديني ، وجعلته لايرى ولايسمع ، حتى تحول أغلب الشعب الى أدوات آلية تتحرّك وفق مخارج الحروف التي يتلفظ بها وليُّ أمره ، يثور مع كلِّ تصريح إذا مسَّ الذات الحزبيه ،أو رئيس كيانه ، ولاتثيره دماء الأبرياء التي تسيل يومياً، وهدر الأموال وسرقتها علنا وبأساليب ملتوية وخبيثة ، لم يعدْ هناك همّ مشترك إسمه وطن ، بل أُختزل كل الوطن في شخصية فلان وعلاّن ، ، من منّا يجلس في مجلس ويتحدّث عن موضوع سياسي أو دينيٍ ولايلتفت يميناً وشمالاً ليتفحّص وجوه الجالسين ؟ خوفاً من أن ينبري له أحد الأصحاب أوالتابعين لهذا السياسي أو ذاك ويقع في المحذور والشواهد أكثر من أن تُحصى ، فإذا كان النظام السابق قد مارس البطش والتقتيل والتنكيل حتى أوصل الشعب الى ماوصل أليه ، فهؤلاء السياسيون لم يُصلحوا مافسد بل أتخذوا منحاً آخر في معالجته ،أعتمدوا مبدأ التجييش والتحشيد ضد الخصم، وإمتهن بعضهم التجسس على البعض الآخر لغرض التسقيط والأبتزاز ، وكسب الأنصار، وصار الظهور على الفضائيات هدف يتسابق إليه أكثر النواب والمسؤولين الحكوميين ،لا لعرض إنجازاتهم وما تحقق لخدمة الشعب ، بل لفضح وكشف ماتوارى عن الأنظارتنكيلاً بخصمه الشريك ، مما أدي ذلك الى إضعاف وحدة الشعب ، فلكل نائب ولكل مسؤول أتباع من هذا الشعب وبالتالي تنعكس تصريحاتهم سلباً على الشارع العراقي ، فيشتم أتباع هذا المسؤول أتباع المسؤول الآخر ، ومرورا سريعا على مواقع التواصل الأجتماعي الألكترونية على الأنترنيت يكشف لنا مدى خطورة الأخلاقيات التي عكسها المسؤولون العراقيون على مؤيديهم ، فالألفاظ النابية والتهم المتبادلة ، هي التي سادت الحوار ، وما إن تنتقد حالةً سلبية إلا وأنبرى لك أحد المدافعين من فدائيي ذلك المسؤول السياسي أو رجل الدين ليضعك في خانة المنحرفين والمرتدين ، غياب العقلانية وعدم الأحترام بين السياسيين العراقيين هو الذي أفسد الحوار والذائقة الكلامية بين ابناء الشعب الواحد ، وكما أن بناء الأسرة الواحدة يتأثر سلباً أو إيجاباً بأخلاقية الأبوين وعلاقتهما ببعض ، كذلك بناء المجتمع العام يتعرّض ويتأثر بثقافة المسؤولين السياسيين ومدى علاقاتهم فيما بينهم التي تنعكس على أتباعهم ، فالشعب إذن ضحية الخلافات السياسية التي أمتهنها وأقتات عليها بعض السياسيين العراقيين، فأصبح إستقراره ووحدته مرهونتين بمزاج وطبيعة أولئك السياسيين ، فهل ياترى يعي السياسيون العراقيون مسؤوليتهم تجاه بناء شخصية أتباعهم ؟ أم هم سائرون على إختلافاتهم وخلافاتهم التي تخرّب البنية المجتمعية ؟ لستُ أدري.
https://telegram.me/buratha