قاسم محمد الكفائي
انتصرَت مصرُ في ثورتها بسقوط أكبر طاغية حكمها عقودا اتسمت بظلام ٍ حالكٍ كان فيها حسني مبارك الرئيس الفاسدُ الظالُم المتجبر بلا منافس . انتصرت مصرُ وأذلت حاكمَها واودعته السجن بأسم الأنتصار للحق وتحقيقا لمطالب الشعب المقهور . جاء محمد مُرسي رئيسا جديدا ليحكم َشعبَ مصر بناءً على النتيجة المُحِقة التي تمخضت عن الانتخابات التي قام بها الشعبُ بفارق ليس كبير على منافسه أحمد شفيق . ليس في الأمر من عيب ولا منقصة عندما يفوز الرئيس بفارق صوت واحد . في اللحظة الأولى التي دخل فيها مرسي غرفة الرئاسة ، متجها صوب الكرسي ليجلس عليه شاهدته وأمعنت النظر فيه عبر التلفاز ، كانت خطواته قلقة ً وركيكة ً على الرَغم من الأرشادات التي تلقاها من موظف ذو خبرة في شؤون بيت الرئاسة . جلس بعفوية المواطن الذي كان بالأمس يمشي في الشارع ولا يثير انتباه المشاة . الأمرُ الصعبُ والخطيرُ في الحاكم أن يجلسَ على الكرسي بانتظام وقدرةٍ على توظيب هندامه واتقان حركاته ، لكنه غير متوازن في أداءه لوظيفتهِ ولا يكترثَ بمستقبل شعبه ، أو تهمُه تحقيق حوائجه . مُرسي ، الرئيس الجديد جلس بعفوية لكنه بكل تأكيد يحمل هموم شعبٍ يطمح بتجاوز المحنة التي خلفها مبارك وأزلامُه . هذه ليست فرضية سياسية وإنما إرثُ حزبٍ عاش مِحَنَ الظالمين وتقصيرَ المُقصرين طيلة الثمان عقود المنصرمة . بهذا الوصف نتعرف على شخصية مُرسي ، ونتعرف على نقاط قوتهِ وضَعفهِ بلهجةِ الصديق والمُحب وليس الشامت بحزبه والمعادي لشخصه . هناك ظواهر تابعتها في عمل الرئيس مُرسي فوجدته فاشلا في أداء وظيفته الجديدة كان أولها في موقفه من الأزمة في سورية ثم طريقة مشاركتهِ في مؤتمر دول حركة عدم الأنحياز الذي عُقدَ في طهران ، وثانيها في إعلان الدستور الجديد . السيد محمد مُرسي هو يعتقد أن الأنتصار وضرب الخصم لأسقاطه تحت قدمَيه يتم خلال أسابيع معدوداتٍ ، لأعلان الخصومة او التنافس خارج مناخ المودة والأنسجام والمحبة مع كل فصائل الشعب المصري ، وهذه هي المحنة التي نتلمسها بشخصية الرئيس كممثل للأخوان وليس للمصريين . فعندما وصل السيد مرسي رئيس مصر الى طهران للمشاركة في قمة دول عدم الأنحياز كان يحمل ضغينة في نفسه وقلبه أدخلها عليه الباطلون الوهابيون كثقافة مشبوهة الهدف. فكانت ثقافته متأثرة بعواصف العنجهية الوهابية وإن تظاهر بثقافة حزب - الأخوان المسلمون - وفكر الأمام الشهيد السعيد حسن البنا الذي عرفناه معتدلا وليس مكفرا ولا مُفرقا . دخل السيد مرسي قاعة المؤتمر في جو مشحون بالانسجام والمودة وانتظار ثمرة أعمال المؤتمر فبدأ خطابَه كرئيس سني مُسَلما على الخلفاء الراشدين وعائشة بوجع المتحدي والمناهض للدولة الشيعية وكأنه لا يعلم أن للخلفاء الراشدين - رض - مكانتهم المحترمة في طهران عندما تدعم حكومة وشعب الجمهورية الأسلامية في ايران أتباعَ الخلفاء وعائشة في مصر - منهم الأخوان المسلمون - لأكثر من ثلاثة عقود مضت في حقبة الظلام ، كذلك اتباعهم - الخلفاء الراشدين - في فلسطين حتى حققوا أعلى درجات الأنتصار على العدو الصهيوني الغاصب ، ثم اتباعهم في باقي اقطار العالم . وقد فاته ايضا أن بعضَ شوارع طهران تقلدت ومنذ فجر الثورة الأسلامية بأسماء الأمام حسن البنا وسيد قطب وعبد الحميد كشك وخالد الأسلامبولي وغيرهم من الشخصيات المهمة في حركة العمل الأسلامي المصري ( انا شخصيا أعرف هذه الشوارع وكنت اتردد عليها في مرحلة من مراحل الأغتراب ) . بينما لم يجد السيد مرسي شارعا واحدا في الدول العربية والأسلامية يحمل اسما منها . فالتوقيت الذي اختاره مرسي للسلام على الخلفاء الراشدين - رض - كان توقيتا خاطئا فتح عليه ثغرة ً أرادها له اعداءُ الأسلام واعداءُ مصر من الصهاينة في اسرائيل والغرب الى اعوانهم في الدول العربية الحليفة لها . لقد تعرفوا على نقاط ضَعفه وعمق تفكيره وحجم شخصيته . كنتُ في حينها أشاهدُه واستمعُ الى مُقدِمة كلمتهِ تلك فأسفت عليه . كان الأولى به أن يهمسَ باْذن الرئيس المُضَيف أحمدي نجاد ويتحدث معه عن مشروع التقارب ما بين المذاهب فيضعان صِيغَ تحقيقه ونجاحهِ والعمل ِعلى مواصلته ( عملَ الأمامُ الخميني جاهدا على وضع أسس هذا المشروع وما زال قائما ) ، أما أن يدخل قاعة مؤتمر تختلف أهدافه عن لغةِ تحدِّيه فهو حالة - نشاز - ومعيبة لا تليق به كرئيسٍ جديدٍ يقودُ مسيرةَ الخلاص والأصلاح ويتطلع له الشعب المصري بكل أصنافه ، سوى أنه أثلجَ صدورَ مشايخ المؤسسة الوهابية في السعودية الذين طبلوا له وزمروا ... فهل بذلك تحقق حلمُ الأمام حسن البنا ؟أما إعلانُ الدستور الذي فضح أمرَه وقوّضَ حركته ونالَ من عزيمته فهو عملٌ غير عفوي ولا يشبه جلوسه على الكرسي أولَ مرة لانه برنامجٌ مُبيتٌ يسعى الى تقويض وتقزيم شرائحَ سياسيةٍ واجتماعيةٍ ودينيةٍ واسعةٍ من شعب مصر . فكيف يرضى الرئيسُ المعتدل في منهجه أن يتسلط السلفيون على الشعب ويحكمونه !!! إن العلاقة الفكرية ما بين حزب الأخوان المسلمون والسلفييين هي علاقة مرتبكة لا تعني إدعاء الطرفين التدين بالاسلام والسير على منهج القرآن والسنة ، أو انهما يسيران على مذهب واحد ، وإنما هي علاقة التكفير والتشكيك السلفي بعقيدة عامة شعب مصر ، وهذا ليس ادعاءٌ ولا بجديد ، يمكن أن نتعرف عليه عندما نبحث في أدبيات وفتاوى المؤسسة الوهابية في السعودية التي تنعت عقيدة أهل مصر أنها عقيدة غير نقية . هذا التشكيكُ بعقيدة ملايين المسلمين يعتبر حالة خطيرة لا يُمكن الأستغفال عنها ، فكيف يصح إذن جعلهم أي السلفيين أمناء على مصر وشعبها والتحكم بهم وتقنين حياتهم . أمرٌ لا يُطاق ولا يُصدق أن ينهضَ السلفيون في مصر وهم الأداة السهلة بيد الأرهابي أيمن الظواهري وبقايا بن لادن كجماعةٍ ارهابيةٍ لا تؤمن بالحياة السهلة ذات الألوان الزاهية باختلاف عقائدِ الناس وافكارهم وتطلعاتهم . السيد مُرسي ربط مصيرَه بمصير هؤلاء ولا يهمه مستقبل وتاريخ مصر الذي يتهدده التهديم الوهابي السلفي إبتداء من الأهرامات وحتى قبور الأولياء الصالحين . أما الشيعة فقد صدرت بحقهم فتاوى تكفرهم ، والمسيحيون ملزمون بدفع الجزية . نأمل من مرسي الرئيس أن لا يجعل إرثَ الأمام حسن البنا بيد السلفية الوهابية ، وأن يحرص على جميع المكونات الدينية والمذهبية والقومية والأجتماعية الأخرى من أهل مصر ، ليس بالتصريحات الفارغة وإنما بسحب ورقة الدستور الميتة والأنفتاح على كل مكونات الشعب المصري لأستقطاب ما هو نافع في التنمية والبناء. إن الوقائع التي نشهدُها على أرض مصر اليوم لا تبشر بخير مادام هناك تحدٍ غير منطقي يسلكه الرئيس ليواجه به الملايين من شعبه ، لان اتقاءَ الشر والمحنة لا ينسجم وأسلوب التحدي الغير محسوب ، خصوصا وأن المثقفين والأحرار من العرب يخشون نتائج الصراع الذكي الذي تنتهجه جماعاتُ النظام السابق وانتصارُهم ، ويخشون التدخلات الخليجية في شؤون مصر الداخلية . الى هنا نحن نعرف أن التيارات السلفية التي نهضت في زمن الربيع العربي هي حالة شاذة من حالات المنهاج الصهيوني العالمي لضرب البنية الأجتماعية للشعوب العربية ، ولتقويض الثورات وجعل ربيعها خريفا ، كذلك هي أداة إرباك مسيرات الشعوب ، ووسيلة تشويه الأسلام المحمدي الأصيل . فلو أن السيد مرسي المعتدل ( الغير ناضج ) يستوعب خطورة هؤلاء السلفيين المتشددين عليه ان يستوعبَ أيضا خطورة َ التمسك بهم كحليف استراتيجي يُمَكنه من النهوض به كرئيس يتحمل مسؤولية قيادة مصر كجمهورية ، ويتحمل مسؤولية قيادة حزبه وشعبه الى بر الأمان .
https://telegram.me/buratha