عباس المرياني
يقف المرء حائرا امام الدوافع الخفية التي تحرك الملايين من العراقيين وغير العراقيين من العرب ومن غير العرب من المسلمين وحتى من غير المسلمين ليكتبوا ملحمة العشق الحسيني الالهي في مسيرة الاربعين الى كربلاء المقدسة وهم يتسابقون كبارا وصغارا رجالا ونساءا ومن كل فج عميق بمسيرة تستمر لايام وليالي غير مبالين بحرارة الصيف وبرد الشتاء وغير عابئين بالسهر او الجوع او المرض او التعب.
ومع صورة العشق الحسيني لمسيرات الرجالة تلتحم صورة البذل والعطاء التي يقوم بها الجميع من اجل ايواء واطعام الزوار السائرين الى نهر العطاء والجود والمثل العليا في كربلاء التضحية والفداء ومن المستحيل ان تجد لمثل هذه الصور في كل بلدان العالم العربي والاسلامي وغير الاسلامي بل من المستحيل ان تجد لها مثيل في العراق في غير هذه المناسبة لان الجميع يكون على استعداد للعطاء والبذل وعن طيب خاطر من الغني والفقير والمعدم حتى، وكل بما تجود به يمينه ،لا ينتظر عوضا ولا بدلا ولا جزاءا ولا شكورا في دار الدنيا انما العطاء والجزاء في دار الاخرة من فضل الله ومن شفاعة محمد واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين
ومع صور السائرين راجلين على طريق يا حسين والباذلين تبرز لوحة غاية في العجب والروعة وهي لوحة المتسابقين على خدمة زوار ابي عبد الله الحسين سواء في مواكب الخدمة المنتشرة على طول الطرق المؤدية الى كعبة الاحرار او في المدن والقرى التي يمر بها الزوار وهذه الخدمة ليست مصطنعة او تفرضها مقامات الزوار والخادمين بل انها شرف يرتبط بالولاء والحب لاهل بيت النبي محمد (ص) والعجب العجاب ان جميع من يعطي ويخدم ويضحي لا يتباهى بما يقوم به من خدمة وعطاءه وبذل وتعب وسهر انما يرجعه جميعا الى كرامة وشرف ابي عبد الله الحسين(ع) ولو جئت في يوما اخر غير ايام كربلاء وزيارة الاربعين لعرفت ان ما يتركه حب الحسين على النفوس امر خارق ولا تستطيع اي قوة على الارض ايجاده بل ان جميع من يقوموا بالسير والبذل والخدمة لا يفعلون ما يفعلون في ايام عاشوراء وزيارة الاربعين مع اعز اولادهم او نسائهم او ابائهم فقد يبكي الولد على ابية اياما وليالي وكذلك الاب على ابنه ويزوره في السنة مرة او مرتين ويعمل له كل سنة وليمة واحدة لاجل الاجر والثواب اما ان يبكي على الحسين ويسير اليه ماشيا على الاقدام مئات الكيلو مترات ويبذل المال والطعام وقد مضى اكثر من 1500 عام على استشهاد الامام الحسين (ع)وكانه قتل اليوم بل ان حرارة فراق اعز الاقارب تنذوي وتخفت مع الايام اما حرارة الحزن على الحسين واهل بيته وصحبه فانها تستعر كل يوم بل ان نيرانها تزداد سنة بعد اخرى.
لقد اعطى الامام الحسين (ع) كل ما يملك خالصا لوجه الله يريد بذلك تخليص دين جده المصطفى من الادران التي علقت به وكادت ان تحرفه عن منهجه المحمدي الى نهج ال امية الانذال ولهذا كان العطاء بقدر التضحية ولو لم يكن الحسين عليه السلام مخلصا في تضحياته وعطائه لما تربع على عرش قلوب الاحرار ولما استحق المنزلة التي تليق به وباهل بيته وصحبه ولما اصيب عابس بالجنون شوقا وطاعة لسيد الشهداء.
https://telegram.me/buratha