غلبت الروم في أدنى الأرض السورية وهم من بعد غلبهم سيذعنون للتفاوض ليس حول الأزمة السورية فقط وإنما حول مستقبل النظام العالمي الجديد سواء كان بعض أدواتهم يعلمون ذلك أو لا يعلمون! هذا ما تؤكده تقارير الكواليس الخلفية وأروقة الدبلوماسية السرية ومعركة صراع الإرادات المعروفة منها والخفية!
قد تطول فترة التفاوض هذه أو تقصر, وقد يعدل اتفاق جنيف أو لا يعدل, وقد يضطرون لإشراك الإيرانيين علنا و مباشرة أو بالوساطة, وقد يدخلون المصريين لتلطيف عملية التفاوض هذه تخفيفا لما هم له كارهون! لهذا الأمر بالذات وليس لغيره أبداً هم لعمليات الاعتراف الشكلي والخالي من المضمون بـ «معارضة» هم صانعوها وممولوها و مهندسو عملياتها الميدانيةمضطرون وللتصعيد الميداني لعدوانهم مجبرون. نورد هذا الكلام هنا بناء على معلومات متطابقة ومتواترة تصل إلى كل من يهمه الأمر من عواصم باتت تملك مفاتيح الحل الحقيقي لخلاص السوريين المرتقب!
يقول مسؤول إيراني رفيع المستوى معني بمجريات الحرب المفتوحة على سورية كما يصفها هو: أمامنا اشهر معدودة وتنتهي الذروة في التصعيد الحالي, وهي أشهر ستكون حاسمة وسيضطر الجميع بعدها للذهاب إلى البحث عن صيغة توافقية للحل, سيبذل الغرب وأدواته الإقليمية أقصى ما لديهم في محاولة للسيطرة على الموقف الميداني بما يؤمن لهم وضعاً تفاوضيا متقدما للحل في سورية على قاعدة جنيف, في المقابل فإننا سنبذل أقصى ما لدينا لمنعهم من تحقيق مهمتهم هذه, ولهذا ستكون الأمور بيننا وبينهم سجالاً وكراً وفراً.
لكن المسؤول الإيراني البارز يضيف ما هو أهم واخطر بالقول: لكننا لن نسمح للغرب هذه المرة بأن يستنسخ ما فعله في ليبيا على الإطلاق.
لأن الأمر يتعلق بسورية وما تعنيه سورية من عقدة استراتيجية تعني الأمن القومي ليس فقط لدول وقوى محور المقاومة بل ولقوتين عظميين هما روسيا والصين اللتين بتنا مطمئنين إلى أنهما لن تغيرا موقفهما الأكيد والثابت كما موقفنا بان لا تغيير لأي نظام بعد الآن بقوة السلاح والتدخل والعدوان, وقد افهمنا الطرف في المقابل بكل وضوح بأنهم لو أصروا على ذلك فإن أنظمة كثيرة ستتدحرج إلى الهاوية قبل سورية والنار قد تصل إلى نهاية مصالحهم في المنطقة إلى الآبد.
ما الذي يعنيه إذاً هذا التصعيد الكبير للعمليات المسلحة في سورية ولاسيما حول دمشق وترافق ذلك مع حفلات الاعتراف بمجلس معارض نشأ في الخارج أصلا وبإرادة القوى العظمى ولا يملك في الميدان إلا «قيادة جبهة النصرة» التي وضعتها أمريكا بالذات على لائحة الإرهاب باعتبارها «القاعدة»؟
في بداية عسكرة الأزمة السورية بدعم خليجي واحتضان تركي ورعاية فرنسية فاضحة وأمريكية خجولة ترددت وفود خليجية كثيرة على طهران, وهي تهول بأن الحكومة السورية في طريقها إلى السقوط خلال الأسبوعين القادمين.
وفي كل مرة جديدة يأتون, كان يسألهم الإيرانيون: ألا تظنون أن تقديركم للموقف متسرع بعض الشيء, ومن ثم ينصحونهم كما نظراؤهم الأتراك بالتروي بعض الشيء إلى أن قالها احد المسؤولين ممن يشتهر بالتعقل والتوازن في مواقف بلاده: الأمر كله يتعلق بضرورة حجز مقعد لهؤلاء المسلحين ومن يقف وراءهم في الخارج, على طاولة الحوار مع النظام في إطار التسوية السياسية التي لابد منها يوما.
نعم.. فالرئيس بشار الأسد والشرعية السورية التي يمثلها حتى عند كل الدول التي اعترفت بما يسمى بالمجلس الوطني والتي لم ينازعه احد عليها حتى من قبل تلك الدول يرفض حتى الآن الحوار والتفاوض مع حاملي السلاح والمعينين من الأجنبي «ممثلين للشعب السوري» كما هي عبارة من اعترفوا «بالمجلس» المشار إليه على أنه العقبة الكأداء أمام أي حل يراد فرضه من الخارج.
ولما كان الأمر كذلك في موازين القوى في الميدان كما في موازين المجتمع الدولي, ولما كانت كل من إيران وروسيا والصين ودول البريكس مستعدين لمنازلة كل الدول التي تريد فرض أمر واقع مخالف للمواثيق الدولية على سورية فان المتابعين لملف الحرب على سورية يؤكدون بأن ما دفع الغرب وأدواته الإقليمية للتصعيد حتى الذروة لم يكن من اجل حسم معركة يعرف سلفا أنه قد خسرها, بل هو تعويض عن خسائره في الميدان, كما في الدبلوماسية, كما في معركة «انتزاع الشرعية» من نظام بات أشبه بقطب الرحى للنظام العالمي الجديد الذي لابد أنه قادم بعد تشكل إدارة أوباما الجديدة.
وهنا بالذات يمكن فهم إصرار الرئيس أوباما على ضرورة دخول إدارته في مفاوضات مباشرة وشاملة مع القيادة الإيرانية في الوقت الذي ترى فيه تلك القيادة أن الوقت ليس وقت التفاوض بقدر ما هو وقت التحضير للمنازلة الكبرى في فلسطين, وأن على الأمريكي أن يرفع يده عن حاملة الطائرات الأمريكية التي اسمها «إسرائيل» قبل التفكير في عملية تفاوض شاملة يتوسلها مع إيران!
إيران التي تعتقد اعتقاداً جازماً بأنها في أحسن أحوالها وهي تعيش أيام الانتصارات تضطر للتفاوض وتالياً فإن لديها اليد العليا في ميزان قوى المنطقة - والتوصيفات هذه ليست من عندي بل ملك قائد سفينتها وربان قيادتها السيد علي الخامنئي – إيران هذه باتت اليوم تملك مفاتيح الحل الذهبية لأكثر من أزمة في المنطقة وليس لسورية فحسب وهو ما تعرفه واشنطن أكثر من غيرها الأمر الذي سيجبرها على ابتلاع سم هزيمة الشام والتفاوض مع القيصر الروسي قبل اضطرارها لابتلاع سم التفاوض مع العدو اللدود على أبواب نظام عالمي لن تكون فيه أمريكا القوة الآمرة والناهية كما اعتادت حتى الآن!
وما الدرع الصاروخية على الأراضي التركية والقبة الحديدية التي وعدت بها واشنطن دول المياه الدافئة جنوبا إلا لتهدئة روع من باتوا قاب قوسين أوأدنى من مغادرة مسرح اللعبة السياسية بكأس سمّ أمريكية!
8/5/1223L/ تح : علي عبد سلمان
https://telegram.me/buratha