اسراء الفكيكي
صباحا وانا اتنقل بصعوبة على رصيف شارعنا اثناء توجهي للعمل نتيجة الاوحال ومياه الامطار التي حولت منطقتنا الى مدينة البندقية!! بين ليلةٌ وضحاها، صادفتها وهي تفرغ رغم برودة الجو المياه المكدسة في باحة منزلها، جارتي المسكينة.. حييتها بابتسامتي الخجولة فردت ولسان الحال يشكي ويبكي, كيف الحال جارتنا الطيبة؟ فقالت بمرارة: كانت يا ابنتي ليلة ليلاء، حتى المطر الذي يجب ان يكون نعمة اصبح نقمة, امتعضت بوجهها وذكرتها ان لاتنسى الله وتسارع لاستغفاره خوفا من ان تجابه نعمته الوافرة بالجحود, لم تنفع كلمات تصبّري ولم تزدها الاّ اصرارا بالشكوى والامتعاض, بالوقت القليل المتاح امامي يجب ان اسير باتجاهين، الاول ان اواسي هذه المسكينة التي قضت ليلة عصيبة تكافح المياه المتدفقة لبيتها من الشارع، والثانية تذكيرها بنعمة الرب التي حرم العراق منها لسنين طوال, قلت لها يا خالتي الم تسمعي بالجفاف؟ الم تسمعي بالخطر الكبير الذي سيدهم بلدنا بعد سنوات حينما نجبر ان نستبدل برميل النفط ببرميل الماء؟ الم تقرأي بان تقرير الامم المتحدة يتحدث عن اختفاء نهر دجلة من خارطة العراق؟ الم تسمعي بان العواصف الترابية الخانقة التي تجتاحنا صيفيا ما هي الا نتيجة طبيعية للجفاف؟ الم تسمعي بان العراق سيكون مجبرا لاستيراد الخضروات والفواكه والتمور والشلب وغيرها نتيجة الجفاف؟ الم تسمعي يا خالة بان الصحراء اصبحت على تخوم المدن والملوحة اكلت اجراف شط العرب وزحفت الى انهر البلاد؟ الم تسمعي بان الفلاح ترك ارض الاجداد والاباء في قريته وقدم الى المدينة لاهثا وراء لقمة عيش لاتسمن ولاتغني من جوع نتيجة الجفاف وشح المياه؟ ولم تسمعي ابدا ياخالة بافعى سيد دخيل بالناصرية التي اقتحمت القرى والقصبات لتنهش الاهالي نتيجة التصحر؟ الم..؟ والم..؟والم.... ولا اعرف من اين جرت في تلك العجالة الكلمات على لساني والامثال والادلة على كلامي؟ لاحظت تغيرا ملحوظا على وجه خالتي نتيجة كل تلك الامثال, حاولت استغلال الفرصة لاعود اذكرها ثانية بنعمة الرب وضرورة شكره وعدم الجحود بها والتنكر اليها, ذكرتها بنعمة السماء التي ستسقي البساتين والصحراء الضمآء والتي استبشر بها فلاحو ميسان والكوت وديالى واطراف بغداد وصلاح الدين وغيرها, تكلمت لها عن المطر الذي لم يهطل على العراق منذ سنوات طوال, تكلمت لها عن امكانية تجاوز ازمة المجاري وغرق البيوت بالتصبر وحمد الرب وشكرانه على نعمته الوافرة التي انعم بها على بلدنا رغم قساوة الضروف وصعوبة الحياة, شجعتها على التصبر والتفوه بكلمات حمد النعمة, لم ابتعد عنها قليلا حتى سمعتها تتمتم: الحمد لله رب العالمين, ابتسمت حينها وقلت في نفسي: لهذا خلقنا الله، رسالتنا تنوير القلوب والعقول والضمائر وحمل الناس على الصبر ومجابهة شيطان النفس الذي يسعى للتسلل الى النفوس المهمومة والمتالمة.
https://telegram.me/buratha