حافظ آل بشارة
استمرت التظاهرات في الانبار والفلوجة والموصل ، يمكن غض النظر عن الشتائم الطائفية التي تتناثر من هناك ، فالشتائم ليست دائما مقياسا للموقف خاصة وان العراقي اذا غضب شتم نفسه وعشيرته وحتى خالقه ، فالتظاهرات تحمل مؤشرات أخرى أكثر خطرا ، كشفت التظاهرات ان الدولة العراقية الموحدة اسطورة ليس لها وجود على الارض ، والدليل على ذلك ان المتظاهرين رفعوا علم نظام صدام ذي النجوم الثلاث ، ولم يرفعوا العلم الرسمي المقر دستوريا وهذا يعني عدم الاعتراف بالعلم ولا البرلمان المنتخب ولا الدستور فماذا بقي من شرعية الدولة ، كما ان المتظاهرين وسعوا مطلب اطلاق سراح رجال حماية العيساوي الى اطلاق سراح جميع السجناء ! وصعدت عندهم الحماوة فطالبوا بالغاء (اجتثاث البعث) وهنا تأخذ الحكاية اتجاها آخر ، ويصبح واضحا ان هذه التظاهرات هي اعلان سحب الاعتراف بالحكومة والدولة العراقية ، لكن المتظاهرين لم يقدموا البديل ، في هذه الاثناء بادر الائتلاف الوطني وحاول تهدئة الاجواء ، والائتلاف هو الشق الثاني من التحالف الوطني الحاكم المؤلف منه ومن ائتلاف دولة القانون ، انتقد الائتلاف في بيان له موجة التراجع في الاداء الحكومي ، وطالب بأن تكون هناك شراكة في مواجهة الأزمة والبحث عن حل ، وحذر من تظاهرات مليونية تجتاح محافظات العراق بسبب غياب الخدمات ، وضعف التخطيط والتنفيذ ، في هذا البيان نأى الائتلاف بنفسه عن شريكه الحكومي دولة القانون ، وجعل قوى الضغط السنية والكردية تشعر انه يتناغم مع مطالبها ، هذا الموقف يضع دولة القانون امام خارطة طريق مقلوبة ، فبدل الانهماك في تسجيل الارباح سينهمك في تقسيم التنازلات على الخصوم وهم في هذه الأزمة يشكلون مساحة واسعة (الكرد والسنة ونصف الشيعة) الكرد يريدون دولة منفصلة ، والسنة لا يعلنون دولتهم المنفصلة الا بعد حسم القضية السورية ، اصحاب المخطط جعلوا الانبار مركزا للنشاط لاعتقادهم بأن كلا من تكريت والموصل قد استوفيتا نصيبهما من حكم العراق وعلى الرمادي ان تلعب دورها في المشروع الجديد ، تقرير المصير حق للجميع لكن العراق بلد صغير وتقسيمه تقزيم لمكوناته وتعريضها للعبودية أمام عالم يسير نحو التوحد ، النخبة السياسية تبحث عن مصالحها وتستغل طيبة الناس وعشائريتهم ، مطالب اهل الانبار هي نفسها مطالب جميع المحافظات العراقية ، ولا يوجد عراقي أفضل حالا من عراقي آخر ، قبل ايام قال الامريكيون ان وحدة العراق خط أحمر ، وهم بذلك لا يقصدون رفض تقسيم العراق بل ربما يقصدون تأجيل التقسيم ، التقسيم يخدم مصالح قوى عالمية وبعض الساسة والأحزاب لكنه يقضي على كرامة الشعب العراقي ، الشعوب الحية تدافع عن كرامتها و الشعوب الذليلة يلعب بها الساسة كالدمى الخيطية ، الشعب يكون محترما عندما يكون متبوعا وليس تابعا ، ولا ببغاء ، ولا عبدا لغير خالقه .
https://telegram.me/buratha