الباحث والاعلامي :قاسم بلشان التميمي
الحديث عن الدولة والدولة المدنية حديث يأخذ ابعاد ومجالات عديدة كونه حديث غير عادي لانه يتناول قضايا ومفردات قد تكون خافية عن البعض او قد تكون غير واضحة بالشكل المطلوب عند البعض الاخر وفي نفس الوقت تكون واضحة عند فريق اخر. يقول ماكس فيبر أن الدولة تحتكر وسائل العنف الشرعي في المجتمع ، وحقيقة لا اعرف لماذا لصق ماكس فيبر تهمة احتكار الدولة لوسائل العنف ولكنه اضاف انه عنف شرعي ، وهو باضافته مفردة الشرعي لعنف الدولة اعطى حقا لها ان تعمل ما يحلو لها ، اما الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز فانه يصف الدولة بالتنين البحري أو الوحش الضخم ووصف هوبز الدولة بهذا الوصف يثير تساؤلات مثل ماعلاقة التنين البحري او الوحش الضخم بالدولة وربما اراد هوبز من هذا التشبيه والوصف ان يقدم صورة عن اهمية الدولة وتاثيرها الكبير والمؤثر الذي له بصمة قوية لا يمكن لاحد ان يتجاهلها او يتفاداها. ان الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة،و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وهناك من المفكرين والسياسيين جعل للدولة سمات وخصائص اساسية تميزها وتجعل الدولة تنفرد بها ومن هذه الخصائص والسمات هي ممارسة السيادة : فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة. واذا ما اخذنا الواقع العراقي الحالي وربطناه بهذه الخاصية (ممارسة السيادة ) يبرز سؤال وهو هل تمارس دولة العراق سيادتها ؟ بمعنى هل تمارس دولة العراق سيادتها بالشكل الطبيعي ؟ وجواب هذا السؤال يبقى مفتوحا، لانه يتحمل اجابات عديدة وكثيرة مرهونة باللحظة الانية وفي نفس الوقت غير منفصلة عن الماضي القريب جدا. والخاصية الثانية الطابع العام لمؤسسات الدولة: وذلك على خلاف المؤسسات الخاصة للمجتمع المدني.فأجهزة الدولة مسؤولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع،وهذه الخاصية اذا ما نظرنا اليها وبحثنا عنها في الدولة العراقية في الوقت الحاضر نجد ان مسؤولية الدولة واجهزتها في صياغة واتخاذ القرارات العامة ضعيفة وتنفيذها في المجتمع ضعيفا ايضا وهذا يرجع بسبب الظروف التي صنعتها المرحلة الراهنة او على الاصح التي تم صنعها عن طريق ايادي لا اعتقد خفية عن ذهن القاريء الكريم . والخاصية الثالثة للدولة التعبير عن الشرعية : فعادة (وليس بالضرورة دائما) ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حيث يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع، ورغم شرعية دولة العراق وضرورة ان تكون قراراتها ملزمة للمواطنين الا اننا نجد ان هناك من يجد نفسه في حل عن تنفيذ اوالالتزام بقرارات دولة العراق في الوقت الحاضر معللين عدم الالتزام بحجج واهية وضعيفة واعتقد ان المنطلق الحقيقي لعدم الالتزام وتنفيذ قرارات دولة العراق الحالية ان البعض لم يدرك او انه الى هذه اللحظة لا يستطيع تقبل الواقع الذي تعيشه البلاد وذلك لغاية في نفس يعقوب او لبساطة تفكيرالبعض . والخاصية الرابعة للدولة حسب اهل الاختصاص انها أداة للهيمنة : حيث تملك الدولة قوة الإرغام لضمان الالتزام بقوانينها، ومعاقبة المخالفين. وهذه السمة في دولة العراق الحالية ضعيفة ودولتنا لا تستطيع القيام بتنفيذها وتحويلها الى واقع والسبب يعود باعتقادي الى ان حكومة العراق الحالية مقتنعة في داخلها انها ضعيفة وانها غير قادرة على معاقبة المخالف بالشكل المطلوب وانا اقصد بالمخالف ليس الذي لا تتطابق افكاره مع افكار الحكومة وانما اقصد الذي يخالف ارادة المجتمع والشعب في حياة حرة كريمة ويخالف قوانين السلام ويخالف كل ما من شأنه ان ينهض بالبلاد ويحقق رفاهية وسعادة المواطن. والخاصية الخامسة الطابع الإقليمي للدولة: فالدولة تجمع إقليمي مرتبط بإقليم جغرافي له حدود معينة تمارس عليه الدولة اختصاصاتها. كما أن هذا التجمع الإقليمي يعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية. وهذه الخاصية تتمتع بها دولة العراق رغم محاولات البعض الذي يحاول ان يتعامل مع دولة العراق على اساس متجزأ بعيدا عن الوحدة المستقلة في السياسة الدولية. اما الدولة المدنية فمن المفيد والضروري ذكره انه لا يوجد في علم السياسة ما يسمى دولة مدنية، و حقيقة ان مصطلح الدولة المدنية لا وجود له في المراجع السياسية كمصطلح سياسي، ولكن هذا المصطلح تم استخدامه في وسائل الاعلام ويعني قيام دولة يكون الحكم فيها للشعب بطريقة ديمقراطية، ويكون أبناء الشعب فيها متساوين في الحقوق والواجبات، ولا يكون فيها الحكم لرجال الدين أو العسكر.ومفهوم دولة مدنية يعني عدم ممارسة الدولة ومؤسساتها أي تمييز بين المواطنين بسبب الاختلاف في الدين أو الجنس أو الخلفية الاجتماعية والجغرافية .وضمن مفهوم الدولة المدنية ان مؤسسات الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية (الحكومة)، يديرها مدنيون منتخبون يخضعون للمساءلة والمحاسبة، ولا تدار الدولة بواسطة عسكريين أو رجال دين، واستبعاد رجال الدين لا يعني استبعاد المتدينين، ولكن المقصود ألا تجتمع السلطتان السياسية والدينية في قبضة رجل واحد حتى لا يتحول إلى شخص فوق القانون وفوق المحاسبة،وحسب الدولة المدنية فأنه يمنع تحويل او استخدام السياسة وزجها في الصراعات الدينية او التشريع الالهي ، بل على العكس من ذلك فان الدولة المدنية تدعو الى بقاء الصراع سلميا بين افكار ورؤى وبرامج المؤسسات والاشخاص وذلك بهدف الحصول على الافضل للدولة والمجتمع. والمقصود بالافضل ان يتم الارتقاء بالدولة والمجتمع نحو مصافي متطورة فيها خير ورفاهية الكل دون تمييز بين هذا او ذاك وهذا الهدف تسعى اليه الدولة المدنية.
أما رفض الدولة المدنية لتولي رجال الدين أو العسكريين الحكم فهو راجع إلى كون رجل الدين يحمل دائماً للناس رسائل الدين، ويشرح لهم كيفية إرضاء الله سبحانه وتعالى، وهذا الامر بحد ذاته يمثل سلطة كبيرة للغاية في أي مجتمع. و حسب الدولة المدنية او حتى غير المدنية انه اذا تولى رجل الدين الحكم فأنه يكون من المستحيل رقابته، أو معارضته في حال سلوكه سلوك قد يؤدي الى الفساد وذلك لما ما لرجل الدين من هيبة وقدسية او على اقل تقدير هيبة وقدسية مفترضة . وبخصوص العسكر فأن الدولة المدنية تنظر الى العسكريين باعتبارهم يملكون وبحكم عملهم قوة السيطرة، وتوليهم الحكم وامتلاكهم للسلاح في الوقت ذاته يعني إمكانية تحولهم إلى مستبدين، يضاف إلى ذلك احتمال أن يكون ولاء الجيش في الدولة لهم،وهذا يتعارض مع الدولة المدنية التي ترى ان الحكم الوحيد في الدولة هو مجتمع المواطنين الذي عادة ما يغلب بعض الرؤى والأفكار والبرامج على بعضها الآخر. ونحن في العراق هل نستطيع ان نحدد بوضوح معالم دولتنا ؟ بمعنى هل نستطيع القول ان دولتنا مدنية او دينية او عسكرية ؟ او انها مزيج بين المدنية والدينية والعسكرية ؟ واذا ماا راد البعض ان تكون دولتنا مدنية خالصة اعتقد ان هذا الامر من غير الممكن تحقيقه وذلك بسبب ظروف البلد وظروف المنطقة التي تفرض على العراق حدود وملامح دولته . وفيما يخص الدولة الدينية فانه مع تأكيد عدد من رجال الدين على أن الدين لا يتعارض مع فكرة الدولة المدنية بل على العكس فالأديان تعتمد على الشورى والتخصص وإبرام اتفاقيات خارجية وداخلية وضمان حقوق الأقليات الدينية والمساواة، بما معناه أن مبادئ الدولة المدنية لا تتعارض مع مبادئ الدين، إلا أننا نجد الأطراف المتشددة دينيا تجد بالدولة المدنية دولة ملحدة، وهذا الامر يتطلب المزيد من التفصيل. اما الدولة العسكرية فقد يراها البعض ضرورة لابد منها في العراق ولكن بشروط محددة ومعينة حتى تقوم الدولة العسكرية بواجبها نحو الافضل وتجاوز المرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد ، وفي نفس الوقت هناك فريق يعارض هذه الدولة العسكرية ويتهم فئات معينة واشخاص بعينهم انهم سوف يوظفون الحكم العسكري لصالحهم اي لصالح فئة او مجموعة معينة ، وحقيقة الامر اذا ما بقينا على هذا المنوال في العراق وهو منوال عدم الثقة والتشكيك بالاخر فان دولتنا لن تنهض وحتى لو نهضت فان نهوضها سيكون بصعوبة وخطواتها ستكون متثاقلة ، لذلك يجب على الجميع الالتفات الى بناء دولة العراق وما يتناسب مع طبيعة المرحلة واعطاء الثقة للغير وعد اساءة النية بنوايا الفريق الاخر. وفي الختام استطيع القول ان معالم دولة العراق الحالية غير واضحة بشكل كبير فنحن وبصراحة متناهية لانستطيع ان نصنفها او نعطيها صفة ما ولكن مع هذا نحن نراهن على ثقة وثقافة المواطن العراقي والنوايا الحسنة لبعض رجال السياسة دون اهمال الدور الكبير الذي يقوم به بعض رجال الدين الذين صدقوا النية والمشورة لبناء دولة العراق.
https://telegram.me/buratha