القاضي منير حداد
جبان اذا تولى لا يعف، مثل عربي نظير (الصفح من شيم الكرام) باعتبار المتلازمة البديهية من حيث (الكرم شجاعة) والتي تمحي بموجبها الفواصل الاجتماعية، بين مصطلحي (كرم) و(شجاعة) تداولا اجرائيا، لأن (الجود بالنفس اسمى غاية الجود).واثبت الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، كرمه الشجاع، بالعفو عن غرمائه، يوم سيق عبد السلام عارف للاعدام، فاوقف التنفيذ، ويوم سقط منفذو محاولة اغتياله، بين يدي محكمة المهداوي، فاطلق جملته الشهيرة (عفونا عنكم من عفو الله) تلك الجملة اللامسؤولة، التي عاجلته بالنهاية، وجرت على العراق جحيما، ضاعف قوة دوران دولاب الدم العسكري الناشب نصال حرابه في ضلع الدولة.بالمقابل، بطش الطاغية المقبور صدام حسين، بمناوئيه، بدءاً من محاولة الاغتيال الفاشلة، في الدجيل، والتي سحق فيها اهالي المدينة؛ لانهم حاولوا.. او سهلوا قتله، وربما توهم ذلك، لكنه التزم بتطبيق شعار معاوية بن ابي سفيان: (اقتلوا لأدنى شبهة).شتان ما بين سمو اخلاق قاسم، الذي جرح اثناء محاولة الاغتيال، في شارع الرشيد، وحسمها بالعفو، ووضاعة جبن صدام الذي نجا سليما، وبالرغم من ذلك نكل باهالي الدجيل، على الشبهة، وليس بالتأكيد.لم يعن صدام بتأشير الضالعين في المحاولة، وهم مطلقون في (الجولة) ظهروا له من بين البساتين، واختفوا، ما يعني تعذر نسبتهم لتواطئ أهالي الدجيل، فسحق المدينة، وقتل مائة وثمانية واربعين، مابين رجل وأمرأة وطفل، وقطع عنها الماء والكهرباء وحرق زرعها وشتت شمل اهلها تهجيرا.. فرقهم من دون حقوق، تلاشيا في الهباء.في حين محاولو اغتيال الزعيم، كانوا واضحين، داخل مدينة بغداد، في اشهر مراكزها.. شارع الرشيد، وألقي القبض عليهم واحدا واحدا، مؤشرين بالتحديد من دون ما لبس، الا انه عفى عنهم، وكان من حقه.. شرعا وقانونا.. الاقتصاص منهم، على اساس الشروع بالقتل.ولم يستقبلوا شهامته بما تستحق من تثمين، انما كلاهما تنكرا له.. عارف بعد ان انقذه من الاعدام، تعاون مع البعثية، الذين عفى عن محاولتهم اغتياله؛ لأنك ان اكرمت اللئيم تمرد.وقولي هذا لا يعني رضاي عن قاسم، فانا ضده مرات عدة، لأنه اطاح بالحكم الملكي، فاحل الشرعية الثورية بديلا عن الشرعية الدستورية، مكبلا العراق، بحكم الصبيان المستهترين، الذين استقووا عضلاتهم على الشعب والدولة، غرورا، بديلا عن رزانة حكم مثالي رصين، قائم على رجاحة العقل الموزون.. الحريص على العراق وتقدمه ورقيه.ولأنه تصرف بفطرة لا تتناسب مع حجم المسؤولية في بلد محاط بالتحديات.. من بين يديه ومن خلفه وعلى الجنبين، فضلا عن التيه غرورا، في السلوك الشخصي، الذي بلغ حد التواضع للفقراء لأنهم لا يعنون شيئا في فوقية العسكر، التي لا انزه قاسما عنها.تواضع للفقراء، ليس رفعا من شأنهم، انما تعظيما لذاته؛ بدليل حشر سكان بيوت التنك، الذين اكتظت بهم (العاصمة) و(الشاكرية) و(الميزرة) في مائة اربعة اربعين متراً وزعها عليهم وسع نطاق مدينة الثورة، مستكثرا البيوت الفارهة المخدومة بالماء والكهرباء والمستشفى، على المهاجرين من ضيم اقطاع الجنوب.أنا من موالي الملكية، منهجا في الحكم، لكني امتدح شهامة قاسم بالقياس الى دناءة صدام، مقارنا ترفع الاول بعد نجاته، بذراع كسيرة، من محاولة الاغتيال، التي نفذها البعثية في شارع الرشيد، وضعة الثاني، الذي خرج من دون ان يمسه سوء، بعد محاولة شديدة الفشل؛ الهبت سعار دمويته المريضة، في حكم اسسه على الجماجم والدم، اللتين يفخر بهما شاعر حزب البعث.. المقبور عقراوي، خاب فأله: بعث تشيده الجماجم والدم.. تتهدم الدنيا ولا يتهدم.شهامة قاسم، لم تكن جوازه لحكم هادئ، ولم تدعم اركان الطمأنينة في العراق، وتثبت قيم الدولة الراسخة، مثلما دموية صدام، لم تهدئ بركان الغيظ المستعر تحت طبقات الارض، يتلظى حمما، ظل معها الطاغية قلقا وكلما نغص القلق طغيانه، جار على الشعب.وبهذا نخلص الى ان تسامح قاسم لم يفلح في تهدئة العراق، وبطش صدام لم يسيطر عليه، في حين انتظام الدستور، سواء الملكي أم الديمقراطي المنشود بعد 9 نيسان 2003، كفيلان ببناء عراق حضاري مدعم الاركان بالسلام والرفاه وتحقيق المنجزات العظمى لشعبه والمحيط الانساني من حوله.
https://telegram.me/buratha