الذين استبشروا و سارعوا بالتهليل و الاحتفاء بالسلطان العثماني رجب طيب أوردغان بعد ما سمى في بعض مانشتات الصحافة ب “انتفاضة أوردغان ” على الصحفي دافيد أغنا تيوس و على صديق تركيا شمعون بيريز في منتدى دافوس معتقدين بلاهة أن تركيا قبل ذلك المؤتمر لم تعد تركيا بعده و أن تلك الحفاوة البالغة التي وجدها الرجل عند رجوعه كالفاتحين إلى أنقرة ستجعل تركيا تصمد أخيرا أمام كل الإغراءات الصهيونية و تعيد تسطير سياستها الخارجية بما يقترب من السياسة العربية و ما تتطلبه المصالح العربية من وقوف الند بالند أمام اللوبي الصهيوني في العالم و الغطرسة الأمريكية المتمثلة في الفوضى الخلاقة و مشروع الشرق الأوسط الكبير لا بد أنهم يشعرون اليوم بالخيبة و المرارة .
بطبيعة الحال كل تلك المشاعر الفائضة الزائدة عن اللزوم قد حجبت عن بعض العقول حقائق تركية مهمة لان جمهورية كمال أتاتورك لم تقطع علاقتها مع الدولة الصهيونية رغم مذبحة مرمرة و إهانة سفيرها في وزارة الخارجية الإسرائيلية و أكتفت ببكاء الثكالى و جماعة حزب العدالة الحاكم الذي جاء إلى السلطة في ظل ظروف معينة لا يمكن أن نتصور أنه ذو مشاعر رقيقة و ضمير تركيا يحتاج إلى كل مساحيق التنظيف في العالم و كم من الاعتذارات الحقيقية للشعب الأرمنى و الأقليات الكردية التي فرضت عليها المؤسسة العسكرية أن تكون جماعات إرهاب بعد أن كانت جماعات تطالب بحق الحياة و العيش في تركيا .
تركيا ليست مع العرب و تركيا ليست ضد العرب هذه حقيقة تاريخية مهمة و لكن أن نصنع من تركيا أو من رئيس حكومتها حليفا و زعيما للأمة فهذا عين الخطأ بحيث لا يمكن أن نتوقع أن تنزع تركيا رداء الأطلسي لتلتحف برداء العروبة و لا أن تستعيض عن اللوبي الصهيوني بزريبة النعاج العربية و لا أن تنقل تعاونها الإستخبارى و العسكري إلى علاقة إستراتيجية مع نظم عربية كثير منها آيل للسقوط إن لم يسقط فعلا.
تركيا الأطلسية الرسمية الطامحة في دخول النادي المسيحي و لو بعد قرن لا يمكنها فك عقود من التحالف مع الكيان الصهيوني أو الانسحاب من الحلف الأطلسي أو رفض المعونات الأمريكية الغربية أو الدخول في صراع مع المؤسسة العسكرية التي تعتبر العلاقة مع إسرائيل مسألة حياة أو موت لمجرد “زعل” على الماشي أو سوء تفاهم أو وسوسة شيطانية و تركيا التي نعرف تاريخها و بعض خفاياها ليست قادرة بعد عقود من زواج المتعة مع الأمريكان أن تصنع عداوة مع حليف أمريكا القوى في المنطقة و هي تعلم أن إسرائيل قادرة بمجرد لفت نظر للإدارة الأمريكية أن تطيح بحزب العدالة و بمن أتى على ظهر الإخوان إلى حكم تركيا العميقة.
هناك من ذهبت به مشاعره أن يقول أن تركيا بدأت تستعيد هويتها “الشرقية” و أنها بدأت تميل بشيء من الحب العذري إلى قضايا الأمة و خاصة ألام غزة و نزيف فلسطين و بصورة عامة فان فورة غضب أوردغان في دافوس لن تكون الأخيرة لان مشاعر السلطان العثماني الجديد قد بدأت تفيض لتنظف الجرح العراقي و تجمع كل الأخوة الأعداء من حكام العرب و تعمل على أن تسترجع هذه المنطقة شيئا من الهدوء الذي فقدته بحكم شوائب صهيونية أمريكية خليجية كثيرة و لكن البعض أكتشف مع الأيام أن أبو زيد الهلالي التركي ما هو إلا سلطان من ورق و حكاية كذبة كبرى ترويها الجدات لينام عليها بعض الصغار.
عندما حطت الأزمة السورية أوزارها ظهر السلطان التركي الخبيث ليجعل منها حصان طروادة بحيث طالب بتغيير النظام و الحقيقة أنه يعرف أن تغيير النظام هو تغيير لخريطة سوريا و إحلال دويلة إسلامية وهابية إرهابية في قلب الأمة العربية على شاكلة إمارة طالبان الأفغانية برئيس بنفس القبعة التي تحتوى عقل حميد قرضاوى ذلك العميل الأمريكي الباهت بحيث يختفي وجدان المقاومة من الصدور السورية و تختفي المطالبة بالجولان و فلسطين و مزارع شبعا و يصبح لإسرائيل اليد الطولي في بلد كان بالأمس حصنا و قلعة من قلاع المقاومة العربية القليلة و أصبح ساحة هادن بارك تتنزه فيها كل مخابرات العالم و عملاء الخيانة الخليجيين أو شبه شارع الحمراء في مصر تتنزه فيه الغواني و الساقطات تحت ظى القناديل.
بطبيعة الحال لكل زمن آذانه و لكل مؤامرة وقت و أعوان للتنفيذ و كما كان محمد أنور السادات أحد أكبر المساهمين في تحييد مصر باتفاقية كامب ديفيد المشئومة فان رجب المشئوم يريد أن يكون عراب سوريا بدون الأسد و سوريا بلا روح حتى يقدم للأسياد الصهاينة الأمريكان تاريخ سوريا قربانا للقبول به و لو متأخرا في النادي المسيحي بعد أن يتناسى الغرب دموع التماسيح الذي ذرفها على الهولوكوست الأرمنى.
يدرك الاتراك أن المؤامرة قد انكشفت و أن قوى التطرف و الإرهاب التي مولتها و سلحتها أنظمة خليجية عميلة و جاءت بها لنشر الفوضى و إقامة مملكة هبل البيانونية قد أصبحت خطرا مرتدا و بضاعة سترجع إلى المصدر على المدى القريب لان الفكر القرضاوى لن يلبث أن يحرق عقول الشرذمة السعودية القطرية العميلة التي سعت لإحراق سوريا.
هل خدمت الدولة التركية نفسها بهكذا تورط مفضوح في مؤامرة صهيونية و هل ستكون للهزيمة التركية أبعاد مستقبلية في صراع الإخوة الأعداء سوريا و تركيا في المستقبل خاصة و أن الصديق الصهيوني لن يستطيع تعويض الخسائر التركية في كل المجالات على المدى الطويل و هل أن فشل المؤامرة ستكون له عواقب وخيمة على حزب العدالة و التنمية بما سيسهل على المؤسسة العسكرية العودة بقوة إلى مسرح الأحداث و قبر فكر الجماعات الإسلامية التي جعلت من الإسلام السياسي مهزلة تركية بعد أن بشر داوود أوغلو العالم بتركيا إسلامية ستكون مثالا للعالم العربي وقال البعض أن هناك معجزة تركية بصدد نقل المنطقة و الأفكار إلى القرن الواحد و العشرين بعيون و طموحات أخرى.
من المؤكد أن للجزيرة وزر في الفشل التركي لان التضليل و الخداع قد انكشف و بان أن ما يحدث في سوريا هي مؤامرة تساهم فيها تركيا بإيواء الإرهابيين من جماعات القاعدة و أن عقاب صقر ليس بعيدا عن المخابرات التركية و تورطها في الداخل السوري و لعل عديد التقارير المصورة التي بثتها الجماعات الإرهابية لعمليات الإبادة الجماعية و السحل و النحر للمدنيين السوريين العزل قد عرت الوجه القبيح للحكومة التركية و من يشرف عليها هذا المجرم رجب أوردغان و أظهرت للعالم أن هذه الحكومة هي من ترعى إرهاب الدولة شأنها شأن قطر و السعودية .
لقد شكل خطاب الرئيس الأسد منذ يومين أحد المسامير التي ستدق في نعش حزب العدالة و طفيليات الفكر الاوردغانى و لعل جماعة تحت السور من أصدقاء سوريا يبحثون الآن عن مخرج يحفظ ما يسمى بماء الوجه مع أن الذئاب وجهها قبيح و لا ماء فيه.
25/5/13110
https://telegram.me/buratha