حنا بولص
ندم الأرمن الذين تركوا سوريا بسبب الحرب هاربين الى أرمينيا، فالأرمن الذين هربوا من الحرب والهلاك الى أرمينيا لم يلقوا العلاقة التي كانوا يتوقعونها من أرمينيا. والدولة الأرمينية لا تقدم لهم تلك الحياة التي وعدتها لهم. وتتصارع أرمينيا مع نسبة البطالة المرتفعة، والقطاع الحقيقي يواجه مشاكل جادة، ومعاييير المستوى المعاشي في أرمينيا تنخفض باستمرار بحيث غدى العيش الرغيد خيالا بالنسبة للكثير من الأرمن. والنظام الذي يواصل طريقة بدعم روسيا، يعرقل اتخاذ أرمينيا مكانتها التي تستحقها لدى المجتمع الدولي. ان الشعب الارميني مرغم بالعيش في نظام دولة معارضة للديمقراطية وفي وسط دكتاتوري... ولان الحزبية سطت على كافة الحياة العملية، فان القوانين والقواعد لا تعني سوى الأناس في الشارع على الأكثر. فالشعب في أرمينيا مرغم في الخضوع للنظام المفروض عليه. وبينما يواصل الشعب عيشه مع الصدمات التاريخية والمخاوف اليومية والخوف من الجوع، فلا يتمكن من معارضة أي شيء.ويبدو ان الأرمن الذين هربوا من سوريا وهم يأملون مستقبلاً لهم في أرمينيا، منذهلين لكل ذلك.. لان الهجرة هذه بالنسبة للأرمن أشبه بالهروب من النور الظلمة... والامل في حرية اكثر والثقة والأمن هي التي حملتهم الى أرمينيا، وحسب الأنباء الواردة على سبيل المثال في موقع (اوروآسيا نيت) ومختلف وسائل الاعلام الدولية، يفيد الأرمن الهاربين من سوريا الى أرمينيا، بانهم لم يلقوا تلك العناية والاهتمام الذي كانوا يترقبونه من أرمينيا. إن الأرمن يعيشون حزنا شديداً، فحكومة يريفان ومنذ بداية الحرب ساندت وعلى الدوام الأرمن في سوريا ودعتهم للعيش في أرمينيا، وبموقفها هذا تقوم حكومة يريفان بمواصلة حملة إعلامية ضد شعبها. وبهذه الطريقة كانت حكومة يريفان تحاول إظهار نفسها "قوية ومتمكنة". والى ذلك تحاول يريفان وبهذه التصريحات عكس نفسها وكانها "ممثل إقليمي". إلا ان مدى نجاح جهود حكومة يريفان أمر مشبوه فيه. لكن خيبة الأمل التي عاشها الأرمن المهاجرون الى ارمينيا سعيا وراء الأمل أمر لا شك فيه.فبالرغم من كافة الجهود الدعائية التي بذلتها أرمينيا من أجل أرمن سوريا الذين يقارب تعدادهم ١٠٠.٠٠٠ نسمة، لم يصدقها الا قلة قليلة هاجرت الى أرمينيا. ومنذ يناير/٢٠١٢ أي منذ عام لم يقصد أرمينيا الا ٦٢٤٨ أرمينياً شدوا حقائبهم وتركوا سوريا مهاجرين الى أرمينيا التي تعدهم بمستقبل زاهر. فالأرمن السوريون الذين يعتبرون من أقوى الشتات الأرميني في العالم هم الان في حيرة من أمرهم. فبينما كانت يريفان تناشدهم للهجرة من سوريا الى أرمينيا، شرعت الخطوط الجوية الأرمينية (أرمافيا) برفع اسعار تذاكرها من ٤٤٢ دولار الى ٤٦٦.٥ دولار امريكي، ويبدو ان الخطوط الجوية الأرمينية وجدت ذلك فرصة لكسب أرباح اكثر لها، لكن الأرمن الذين يواجهون الحرب في حلب لم يرحبوا بهذا التصرف. وفي النتيجة ما كان على يريفان التي تفتخر بشتاتها في كل فرصة، ان تفعل هذا بهم.هذا ويعاني الأرمن الذين غضوا النظر عن النداءات التي وجهتها تركيا لكافة اللاجئين ومن ضمنهم اللاجئين السوريين، وصغوا لنداءات أرمينيا مصدقين يريفان، يعانون صعوبة بالغة في العيش والعثور على العمل. لانه لا الحكومة ولا وزارة الشتات لم تقدم لهم يد العون لحد الان، فهناك من يعمل الان كاشيرا في يريفان لادامة معيشة عائلته بعد ان كان اقتصاديا في سوريا... والذين يجدون لهم عملا من قبيل بائع او سفرجي او عامل غسيل في المطابخ يعدون انفسهم محظوظين!وتعتبر مشكلة تأمين الإقامة بالنسبة للوافدين من سوريا مشكلة كبيرة أيضاً. وذلك لان تأجير المنازل او ايجاد ملجأ للسكن في أرمينيا يتطلب بعض المحسوبيات والعلاقات الخاصة وما شابهها. في غضون ذلك يعاني الأرمن السوريون من "الاستبعاد" و"الغيرية" في أرمينيا. لان الشعب في أرمينيا يقترب بحذر من الوافدين الجدد بسبب البطالة المتزايدة. وعلى سبيل المثال ينظر المجتمع الى الوافدين من ايران كـ "فارسيين" والى الوافدين من حلب كـ "عرب". وبطبيعة الحال ان أرمن سوريا اللذين كانوا يتلقون المديح في فترة من الفترات على انهم " الشتات الداعم للوطن الأم" بتبرعاتهم السخية، غير مرتاحين من السخر بهم وتشبيههم بالعرب وتلقيهم كأعداء.ويواجه الارمن السوريون الذين إختاروا سوريا لاسباب مختلفة بدلا عن تركيا التي يعمل فيها عشرات الآف من الأرمن، يواجهون مشكلة اللهجة. ويجري تقييم الفرق بين الأرمينية الشرقية والأرمينية الغربية على إنه نموذج لمحلل لغوي سواء في الحياة الاجتماعية أو في المدارس، بدلا من أن يكون ثرءاً أو لوناً جديداً. فالأرمن المهاجرون من سوريا الى أرمينيا يعبرون عن آرائهم وردود أفعالهم في كتاباتهم على المواقع الالكترونية في الانترنيت، معربين عن نقطة مهمة وهي " أن سوريا الأسد أفضل بكثير".فكلما توجه الأقتصاد في أرمينيا نحو الاسوء، يتأثر سلباً وضع الأرمن المهاجرين من سوريا إليها. فحسب الصحافة الأرمينية أن 30% من المواطنين الأرمن حصلوا على قروض لتلبية إحتياجات السنة الجديدة. وبالرغم من ارتفاع نسبة الفوائد الى 22%-24%، يقوم الأرمن العاطلون أو الذين يشعرون بانهم سيغدون عاطلين بالحصول على قروض من البنوك أو على ديون من المسترهنين. والمبالغ التي يرسلها العاملون بصفة شرعية أو غير شرعية في خارج البلاد الى ذويهم، تحد نوعا ما تمرد الشعب في أرمينيا وتؤمن بقائهم في حد الجوع.وبينما لا تفوق نسبة نفقات المواد الغذائية الـ 15% من موازنة الأسرة في العالم المعاصر ولدى الدول النامية، فقد بلغت هذه النسبة الـ 52.2% في أرمينيا. ويفيد خبر صحيفة (هيكاكان جماناك) الصادرة في أرمينيا، وحسب تقرير الأمن الغذائي والفقر لمؤسسة الاحصاء الوطنية الأرمينية، بأن الزيادة في هذه النسبة تتواصل منذ العام 2009 ولحد الآن.فإذا كان الأرمن السوريون " الذين يفكر بعضهم بالعودة " لا يتمكنون من الحصول على مأوا ساخناً ولا رغيفاً طازجاً ولا إستقبالاً جميلاً وترحيباً حاراً، على حد قول هذه المواقع الالكترونية، فمما لا شك فيه ان لكبر المشاكل التي تعانيها يريفان تأثيره الخاص على ذلك. فقد بدأت مأساة جديدة في القوقاز والشرق الاوسط ألا وهي مأساة أرمن سوريا. إنها مأساة الأرمن المخدوعين والمستغلين والمتروكين لمصيرهم والعائشين حياة المنفى في أرمينيا...
https://telegram.me/buratha