حافظ آل بشارة
لم يعد أحد يتذكر لماذا ثارت ثائرة الانبار والموصل وسامراء ، فقد نسي الناس قصة اعتقال افراد حماية الوزير رافع العيساوي ، فالأزمة الكبيرة تزيح الأزمة الصغيرة والقصة التي تجري الآن مختلفة تماما عن القصة الأصلية ، فتحت التظاهرات ملفات اخطر ، اتضح ان الحكومة بيتها من زجاج وتضرب الناس بالحجارة ، او تسكن في صريفة وتلوح بالمشعل ، الأزمة بدأت بفتق صغير لتنتهي بشق يصعب رتقه ، تحدث هذه الحالات عندما يكون الطرف البادئ بالهجوم بلا سيناريو مستقبلي ، وبلا خندق احتياطي محصن ، وبلا جواب عن سؤال : ماهي الخطوة التالية ؟ اي دولة عندما تكون غارقة في بحر من التلكؤ والفساد والتراجع والفوضى لا يمكنها معالجة اي ملف ، سترتكب اخطاء ستراتيجية أخطرها الخطأ في ترتيب الأولويات ، اعتقال أفراد حماية وزير متهمين بالارهاب قرار صحيح ولكنه لا يصلح ان يكون اولوية حاليا ، ربما هناك عدة وزراء يشملهم هذا القرار الحساس وقد يشكلون جبهة للهجوم الاستباقي ، ما حدث لحد الآن يشكل درسا جيدا في الادارة والسياسة ، ويكشف هشاشة البنية السياسية للدولة وقرارها ، الحكومة اعتقلت عشرة افراد وهي تنفذ قرارا قضائيا مخطئة في التوقيت والأسلوب ، لكنه خطأ جسيم ومكلف ومن اجل اصلاحه ستضطر الى اطلاق سراح آلاف السجناء والسجينات ربما بينهم مجرمون خطرون وتضع الدستور وعددا من قوانين الدولة تحت طائلة التغيير والتشكيك ، كما تحفز الأزمة تأسيس الاقليم السني عمليا ، بدل ان تعيد الحكومة قيمومتها الدستورية على اقليم كردستان فأنها الآن فقدت السيطرة على محافظات أخرى تحت مسمى المحافظات السنية ، جعلت ملامح الاقليم السني تتشكل ولا شرط ان يكون اقليما علنيا ، المهم ان مقومات نشوءه تطفو على السطح ، ومنها : قدرة الشخصيات والاحزاب المحلية على تعبئة الشارع ضد المركز ، سهولة الشطب على الدستور والقوانين العراقية ، سهولة العودة الى تمجيد البعث المنحل وصدام ، احياء التخندق الطائفي ، غربة قوات المركز في الغرب وميل جميع الاطراف الى نشر قوات محلية ، الحصول على دعم اجنبي على خلفية سياسية وليس انسانية . درس آخر للأزمة ان الحكومة اذا تحرشت بمكون ما ستدفع الثمن مضاعفا ، درس آخر للأزمة : ان الأمم المتحدة بالمرصاد ومندوبها مارتن كوبلر زار المرجعية وخرج بتوصيات تهدئة ، وهو تلويح بامكانية تدويل الأزمة اذا فشل الحل الوطني كما في سورية وبكل ما يعنيه التدويل من مخاطر ، المرجعية استقبلت كوبلر ولم تستقبل وفد الحكومة ! لكنها أرسلت الى ركاب المروحية حلا من خمس نقاط انطلقت كخمس مفخخات لتربك اروقة المنطقة الخضراء ، عادت المرجعية لاطفاء النيران ورجال السلطة يطرقون ابوابها وهم يتلفتون قلقا ، بين هذا وذاك هناك من يتمنى تفريق صفوف المعتصمين بسيف البرد ، دعاء وصلاة استبراد ، بأن تمر عليهم ليال كليلة الهرير في صفين ، كان المقاتلون من الشام والعراق في تلك الليلة (يهرون) من البرد تحت ضرب السيوف وطعن الرماح ، و(الهرير) صوت ارتجاف مع همهمة ، والفرق ان جيوش صفين لا تمتلك كل هذه التدفئة الحديثة والبطانيات الخليجية والتركية الناعمة . وللأجانب درسهم المحزن في هذه الأزمة ، فقد فشلوا في شراء الضمائر بالدولار و(المفطح) ، كان صوت العقلاء مدويا ... دروس مختلفة في الشكل واحدة في المحتوى ، هكذا تبدو الأزمة وكأنها سائرة باتجاه الحل ولكن بأثمان مضاعفة ، فمن لم يرض بجزة سيرضى بجزة وخروف .
https://telegram.me/buratha