المقالات

بدايات ونهايات متشابهة

473 16:42:00 2013-01-15

عادل الجبوري

اذا كان عام 2012 قد استهل مسيرته في العراق بأزمة سياسية حادة وخطيرة تمثلت بأصدار امر قضائي بأعتقال نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي على خلفية ضلوعه بتمويل الارهاب، فأن هذا العام طوى صفحاته بأزمة مشابهة تمثلت بأعتقال عدد من افراد حماية وزير المالية والقيادي في القائمة العراقية ايضا رافع العيساوي ارتباطا بضلوعهم بأرتكاب عمليات ارهابية في مدينة الانبار.وما بين الحدثين فأن المشهد العراقي العام كان حافلا في 2012 بأحداث ووقائع كبرى وخطيرة تداخلت فيها الجوانب السياسية والامنية الى حد كبير.

ازمات الفرقاءولعل ازمة الهاشمي كانت مؤشرا واضحا على ان الامور سائرة بـأتجاه المزيد من التأزيم والتعقيد، والوقائع اثبتت ذلك، فأصطفاف الاكراد-وتحديدا رئيس الاقليم مسعود البارزاني الى جانب الهاشمي بطريقة او بأخرى، من خلال استضافته في كردستان، ومن ثم تسهيل سفره الى تركيا، فتح بابا جديدا للصراع والمواجهة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، وافرز اصطفافات بدت نوعا ما وكأنها مقدمات لتفكك وتشضي واعادة تشكيل لخارطة المشهد السياسي العراقي، واجتماعات اربيل التي جرت في شهر ايار-مايو من العام الماضي، وشاركت فيها قيادة التيار الصدري الى جانب قيادات القائمة العراقية والقيادات الكردية، وتبعتها اجتماعات النجف، اشرت الى وجود نوايا وتوجهات جادة من قبل قوى رئيسية لاعادة ترتيب الاوراق، وكان خيار "سحب الثقة" عن حكومة نوري المالكي هو المحرك والمحور، واكثر من ذلك العقدة.ومع ان خيار سحب الثقة وصل الى طريق مسدود بعد فترة من الزمن الا ان الازمات بقيت تتوالد وتدور في حلقة مفرغة في ظل غياب افق الحل الحقيقية. فبين الاقليم والمركز تفاعلت قضية عقود النفط المبرمة بين الاقليم وبعض الشركات الاجنبية، وتقاطع المواقف حيال الازمة السورية، وعقود التسليح، والانفتاح الكردي على تركيا في الوقت الذي بلغت مستويات التأزم بين بغداد وانقرة اقصى مستوياتها، حتى وصلت الامور الى الحافات الخرة والنقاط الحرجة جدا حينما اعلن المالكي عن تشكيل قيادة عمليات دجلة ليكون مقرها في كركوك وتشرف على مجمل الاوضاع الامنية والعسكرية في تلك المدينة ومعها ديالى، واضيف الى ذلك اقدام الحكومة الاتحادية على تحريك قطعات عسكرية بأتجاه الحدود مع سوريا وفي مناطق تابعة للاقليم، وهو مااثار حفيظة الاكراد، واعتبروه استهدافا لهم، حتى كادت الامور تتطور الى مستوى المواجهة العسكرية. وبنفس الايقاع كانت تداعيات المواقف تتحرك بين الحكومة الاتحادية، او بالتحديد ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، والقائمة العراقية التي تمثل في الاطار العام المكون السني، وفي الوقت الذي لم تفلح العراقية بكسر المالكي وابعاده عن دائرة الفعل والتأثير، فأن الاخير هو الاخر اخفق-رغم بعض تصدعات العراقية-في اخضاعها او تفكيكها وانهاء وجودها.ومجمل القراءات التحليلية للوضع العراقي كانت تذهب الى ان: -ان الأزمة السياسية في العراق سائرة نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة بوتائر متسارعة.-غياب فرص وامكانيات الحلول الواقعية التي من شأنها وضع حد للأزمة ـ او الازمات ـ المتلاحقة.-بروز ظاهرة التفكك والتشظي لدى مختلف القوى والكيانات السياسية.-اتساع مستوى الخلافات والتقاطعات، الذي وصل الى كبار القيادات والزعامات السياسية العراقية، بحيث باتت الحاجة ملحة ـ بنظر البعض ـ لتدخل قوى خارجية بطريقة ما.

انعكاسات امنية ومن الطبيعي جدا ان يكون احد افرازات الازمات السياسية المتلاحقة، هزات امنية متواصلة تزداد حدتها تأثيراتها مع تصاعد وتيرة الصراع بين الفرقاء السياسيون.فما ان صدرت مذكرة القاء قبض على طارق الهاشمي اواخر العام 2011 حتى شهدت العاصمة بغداد بعد ايام قلائل سلسلة تفجيرات ارهابية حصدت ارواح مئات الناس الابرياء، لتتبعها عمليات مماثلة استهدفت زائري الامام الحسين الذي كانوا متوجهين سيرا على الاقدام من مختلف مناطق العراق لاحياء ذكرى الاربعينية، وكان ذلك في الايام الاولى من العام 2012، وهكذا كان مشهد القتل والدماء والاشلاء والضحايا حاضرا يسير بطريقة متوازية مع المشهد السياسي المحتقن والمتأزم.وبعد اقل من شهرين تعرضت مدن بغداد وكركوك وتكريت والموصل وغيرها لسلسلة عمليات ارهابية، وفي ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم عليه السلام، منتصف شهر حزيران -يونيو الماضي، تعرض الزائرون لاستهدافات عديدة بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والقذائف سقط بسببها العشرات او المئات منهم بين شهيد وجريح.وفي النصف الاول من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، تكرر المشهد الدموي الذي تبع صدور مذكرة اعتقال طارق الهاشمي، ولكن هذه المرة على اثر صدور حكم الاعدام عليه من قبل المحكمة الجنائية العراقية المختصة، وبعد اسابيع قلائل تعرضت مدن كركوك وبغداد والموصل الى سلسلة عمليات ارهابية اخرى على ايقاع تصاعد وتائر الازمة بين بغداد واربيل.بعبارة اخرى يمكن القول ان مسلسل القتل اليومي في العراق لم ينقطع خلال العام 2012، رغم انسحاب القوات الاميركية منه اواخر عام 2011، وانتفاء الذرائع والحجج التي كانت تسوقها بعض الجماعات الارهابية والجهات الداعمة لها لتبرير جرائهما. ورغم انه لاتوجد الى الان احصائيات دقيقة لعدد العمليات الارهابية التي وقعت في العراق خلال العام المنصرم، الا ان الاحصائيات التقريبية تشير الى انها الف ومائتين عملية ارهابية، وان ضحاياها من الشهداء تجاوز خمسة الاف شهيد، الى جانب اكثر من خمسة وعشرين الف جريح. عودة العراق لمحيطه العربي وفي مقابل الازمات السياسية والامنية المتواصلة، فأن سياسة العراق الخارجية شهدت خلال العام الماضي نقلات وتحولات مهمة، ربما كان ابرز معالمها انعقاد القمة العربية الثانية والعشرين في بغداد اواخر شهر اذار-مارس الماضي بحضور ومستوى تمثيل لابأس به.وهذه القمة عززت الى حد كبير حضور العراق في محيطه العربي، الذي تراكمت المشاكل والازمات مع بعض اطرافه خلال العقود الثلاثة الماضية.وطبيعي انه لم يكن منتظرا من قمة بغداد-كما هو الحال مع القمم السابقة-ان تخرج بحلول سحرية لما يعيشه الواقع العربي من عقد واشكاليات كبيرة وكثيرة، بيد انها اعطت زخما معنويا ضروريا للعراق بعد الاطاحة بنظام صدام وانبثاق نظام سياسي جديد قائم على التعددية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.الى جانب ذلك فأن الحكومة العراقية نجحت في مد الخيوط مع دول عديدة في المحيط العربي والاقليمي وعموم المجتمع الدولي.ويبقى الموقف العراقي المتوازن من الازمة السورية، والذي عبرت عنه المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء نوري المالكي في المؤتمر التاسع عشر لدول حركة عدم الانحياز الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران في اواخر شهر اب-اغسطس الماضي، دلالة على صحة مسارات السياسة الخارجية العراقية، اذ انه رغم الضغوطات العلنية والسرية التي تعرضت لها بغداد من عواصم عربية دولية عديدة، الا انها تمسكت بموقفها القائم على اساس الحل السلمي للازمة السورية وتجنب الخيارات العسكرية ورفض التدخل الخارجي، وهذا الموقف كان من العوامل التي زادت من تأزم العلاقات العراقية-التركية، ودفعت انقرة الى مغازلة اقليم كردستان من اجل زيادة الضغوطات على بغداد، وفي هذا السياق مثلت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لاقليم كردستان ولمدينة كركوك مطلع شهر اب-اغسطس الماضي من دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية العراقية احد خطوات التصعيد التركي ضد العراق.واضافة الى تركيا فأن كل من السعودية وقطر تبنتا سياسات اكثر عدائية للعراق خلال العام الماضي، بسبب الموقف من الازمة السورية، والخلافات الحادة بين ائتلاف دولة القانون من جهة والقائمة العراقية المدعومة من قبل هاتين الدولتين من جهة اخرى، ولكي تعبران عن توجهاتهما حيال بغداد، فأنهما اكتفتا بأرسال وكيلي وزيري الخارجية لديهما لترؤس وفدي بلاديهما الى قمة بغداد العربية.علاقات متنامية بين بغداد وطهرانبيد ان التأزم في علاقات بغداد مع انقرة والرياض والدوحة قابله تنامي العلاقات مع طهران، وقد كان الحراك السياسي والدبلوماسي بين البلدين خلال عام 2012 ملحوظا وعلى اعلى المستويات, فالمالكي زار ايران وكذلك فأن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد زار العراق، وكذلك فأن زعماء ومسؤولين سياسيين عراقيون زاروا طهران ايضا مثل رئيس المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم، ورئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، واخرين غيرهم، مع مجيء مسؤولين ايرانيين كبار مثل مساعد الرئيس الايراني علي سعيد لو، ووزير الدفاع الجنرال احمد وحيدي، ووزير الخارجية علي اكبر صالحي، وقائد القوات البحرية في حرس الثورة الادميرال علي فدوي.وتنامي العلاقات العراقية-الايرانية وانسجام المواقف بين الطرفين ساهم في التخفيف من حدة المواقف والتوجهات المتطرفة.الصفحة الاخيرة ربما كانت الانتكاسة الصحية الاخيرة للرئيس جلال الطالباني الصفحة الاخيرة في سجل الاحداث والوقائع الكبرى في المشهد العراقي العام، فهي فتحت الباب واسعا لتكهنات وقراءات واحتمالات متعددة لمرحلة مابعد الطالباني سواء مايتعلق بمنصبه الرسمي كرئيس للجمهورية او منصبه الحزبي كزعيم لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.ولاشك ان مرض الرئيس ومايمكن ان ينتهي اليه سيكون احد ابرز القضايا التي ستشغل حيزا واسعا في تفاعلات المشهد السياسي خلال عام 2013، مع بقاء ملفات العام الماضي مفتوحة، في ظل عدم وجود مؤشرات حقيقية لاغلاقها، ان لم يكن ظهور ملفات اخرى قد تزيد الامور تأزما وتعقيدا، ومن المستبعد ان تحدث انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في العشرين من شهر نيسان-ابريل المقبل تغيرات كبيرة في الخارطة السياسية.اما الازمة السورية فيعتقد الكثير من المراقبين والمعنيين بالشأن السياسي ان طريقة حسمها لابد ان تلقي بظلالها على الواقع السياسي العراقي، لكن في ذات الوقت يستبعد ان تحسم خلال وقت قريب، وان لم تأخذ ابعاد واتجاهات اخرى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك